يد ودماء – قصة قصيرة
يد ودماء : كانت تعرف، نعم كانت تعرف أنها ستجد ما تبحث عنه.
كانت متأكدة من وجود السكين في هذا الدرج الكائن في المطبخ، ففتحت الدرج مسرعة وأخرجت السكين ويديها ترتجف خوفاً، لا تعرف هل تستطيع حقاً الدفاع عن نفسها بهذه الأداة، سكين مطبخ صغيرة لتقطيع الفاكهة !
لطالما تخيلت عندما كانت تستخدم السكين في تقطيع البندورة الحمراء، استعمالها دفاعاً عن نفسها بطعن أي معتد أو سارق يمكن أن يدخل البيت عنوة.
كانت تتخيل أنها إذا ما تعرضت لهذا الموقف ستولج السكين بقوة ودون خوف ودون تردد في بطنه أو في رقبته مثلاً، إنها ليست مجرمة حينئذ، لا، أليس كذلك؟
اتجهت مباشرة نحو الغرف في الطابق العلوي، وتحديداً نحو باب غرفة النوم الكبيرة. هناك حيث هُيّء لها أنها سمعت صوتاً في تلك الغرفة.
ركضت على السلالم وعندما وصلت إلى بداية الممر الضيق الطويل، بدأت تمشي بتؤدة، دقات قلبها متسارعة وتنفسها كان يتقطع خوفاً ورعباً.
قصة يد ودماء
في داخلها كانت تدعو وتتمنى بأن يكون ما سمعته وهماً، أو أنها تهيئات.
يا رب، أدعو ألا يحدث ما ببالي، يا رب يا رب ألا يكون هناك من اقتحم البيت، لماذا تركوني وحيدة اليوم بالذات؟
في عقلها كانت تصرخ لذويها، تناديهم للعودة من سهرتهم عند أقاربهم:
يا ليتهم يسمعوا ندائي، لقد أطالوا الجلوس عندهم، ليتهم يأتون الآن، الآن!!
السكين أمامها تسبقها مرتجفة في يدها، قدماها تلمسان الأرض بهلع، وعيناها جاحظتان تحدقان بالباب المغلق كأنها تراه لأول مرة.
رويداً رويداً أصبحت قريبة من غرفة النوم صاحبة الضجيج، وبينها وبين نفسها أرادت للحظة أن تتوقف وتنزل السلالم هرباً.
ومالي أنا لم سأواجه هذا الموقف لوحدي؟ فلأنزل السلالم وليسرق ما يشاء، لعله لا يؤذيني.
توقفت عند هذه الفكرة مراقبة الباب وخلفها سلالم النجاة، الباب الذي من الممكن أن يجعلها تواجه خطراً لا تعلم عقباه.
حسنٌ، إذا نزلت السلالم، ألن يفتح الباب وينزل لمكان وجودي في المطبخ مثلاً؟
تحاكي عقلها وقلبها معاً، دون أن تدرك أن قطتها سونسو أصبحت تقف وراءها تماماً، وفي تلك اللحظة أصدرت القطة مواءاً لتفزع وتقفز من مكانها محدقة بعينيها اللتين أقد أصابهما العمى خوفاً : سونسووووووو لاااااااااا اصمتي.
همست لها وهي تكاد أن تبكي، حتى عزيزتها سونسو لن تستطيع مساعدتها في تلك المحنة، رغم عنايتها بها لأربعة أعوام مضت.
دفعتها برفق بقدمها وهي تشير بأصبعها على شفاهها لتسكتها، لكن القطة لازالت تموء وتداعب قدمها رافعة ذيلها معتقدة أنها تلعب معها.
ما العمل الآن؟ إذا شعر السارق أنني في الخارج سيباغتني قبل أن أباغته أنا، هه، وهل أستطيع حتى أن أفتح الباب يا للسخرية.
أصبح قلبها ينبض بخفقان شديد، واقتربت من الغرفة المغلقة خطوة أخرى، ولا زالت تحمل السكين الصغير مترددة خائفة.
في تلك الأثناء رن هاتفها المحمول، الذي تركته على عجل في الصالة السفلى، وعلى الأغلب قد تدحرج تحت المقعد أثناء سماعها الصوت من الأعلى.
لااااااااااااااا توقف ليس الآن، سيعرف السارق الآن أن هناك أحد في المنزل، لاااااا. من هذا الذي يتصل في هذا الوقت؟ أهو أحد أفراد عائلتي؟
هنا أصبح القرار صعباً، هل ستنزل مهرولة لترد على الهاتف وتطلب النجدة؟ وحينها سيفتح السارق الباب ويجري ورائها كما تشاهد في الأفلام تماماً؟
أم تنتظر ليخرج السارق من الغرفة فيجدها أمامه فتهدده بالسكين وتصرخ وتسغيث عسى أن يسمعها أحد من الجيران فيأتي للنجدة.
كان لا بد أن تتخذ قراراً سريعاً، ما العمل الآن؟ كل هذا الوقت والانتظار ورنين الهاتف بدا لحظة واحدة فقط، على الرغم من انقطاع صوت الرنين في الأسفل لفترة قصيرة.
حينها قالت في نفسها:
لعله لم يسمع رنين الهاتف. فمن الممكن أن يحدث ذلك، حيث أنني عندما أكون في غرفة النوم الثانية بالقرب من هذه الغرفة لا أسمع رنين هاتفي في الأسفل.
استطاعت أن تجد الحل لمشكلة خوفها من ذلك الموقف، وأعادة تركيزها على إمكانية اقتحام الغرفة، ولكن كيف ستفعل ذلك؟
سأقترب من الباب رويداً رويداً، وأمسك القبضة بيدي اليسرى والسكين سأدفعها أمامي بيدي اليمنى، ثم أفتح الباب بسرعة. فإذا كان السارق أمامي سأطعنه دون تردد، أما إذا كان بعيداً سأركض صارخة وأخرج خارج المنزل، نعم تلك أفضل طريقة.
كان الطقس في الخارج هادئ وساكن، لا هواء يطرق الشبابيك أو الأبواب، والوقت قد قارب منتصف الليل، فلا أطفال يلعبون في الخارج، وعلى الأغلب الجميع نائمون.
فمن غير الممكن أن يكون الصوت الذي صدر من الطابق الثاني شيء غير سارق يريد السرقة أو شيء آخر.
نعم من الممكن أن يكون يريد شيئاً آخر، لا، يا للهول بماذا أفكر أنا، كيف إذاً سأقتحم الغرفة، لا لا لن أقتحمها، هل أنا مجنونة؟
عدلت مرة أخرى عن قرار اقتحام غرفة النوم المرعبة، لن تستطيع فعل ذلك مع فكرة أن السائق قد يتهجم عليها ويؤذيها.
ثم ما لبثت أن أعادت تفكيرها لما تريد فعله منذ البداية، ستدخل الغرفة وليكن ما يكون.
اتجهت بخطوات متقاربة نحو الباب ودفعت بقطتها سونسو إلى الوراء، مشيرة لها النزول إلى الطابق السفلي، نظرت القطة إليها بتعجب ثم أخذت تتمايل على الطريق إلى السلالم، وجلست تراقبها.
نظرت إليها وكأنها تأخذ جرعة من القوة، لعلها تدافع عنها، أو لمجرد الشعور أن أحداً ما يقف وراءها.
وصلت أخيراً إلى باب الغرفة، وقد بدأت تتعرق من يديها ومن جبينها، ووضعت يدها على المقبض بقوة شديدة، كأنها تتمسك به قبل أن تقع أرضاً.
أغمضت عينيها، حتى كادت تدمع من الخوف والوحدة في هذا الموقف الصعب جداً:
أنت قوية، تستطيعين فعل ذلك، وسأقبض على السارق بفعلته الشنيعة تلك..
محدثة نفسها برباطة جأش وقوة اندفاع، حتى تستطيع القيام بفتح الباب كأول خطوة لاكتشاف خطر مجهول تماماً.
أدارت المقبض نحو الأسفل ببطء شديد، ففتحته وشعرت بنسمة هواء تتدفق على وجهها.
الغرفة مضاءة، أوسعت فتح الباب لتظهر خزانة الملابس ثم السرير، لكنها لم ترى شيئاً من ذلك الأثاث بتاتاً، إنها تبحث عن شيء أكثر أهمية.
وكأن الغرفة فارغة تماماً في نظرها، فهي تبحث عن إنسان يقف في وسط الغرفة ينتظرها، أو أنه جاثٍ على ركبته يحاول فتح الجارور الصغير الذي يوضع فيه الذهب.
فتحت الباب حتى كادت تدخل منه، لتظهر النافذة المقابلة للسرير مفتوحة على مصراعيها والستائر تتراقص بشكل خفيف ناعم.
دفعت نفسها بخطوة إلى الأمام، وكادت تشعر بالسعادة عندما أيقنت أن الغرفة فارغة من أي سارق أو أي شخص.
لكنها لمحت ذلك الجارور الصغير على الأرض، فارغاً من محتواه، فأسرعت بنظرها نحو خزانة الملابس المفتوحة وفارغة المحتوى وكل ما فيها على الأرض أو على السرير.
لا زالت يدها ممسكة بمقبض الباب، تخاف أن تتركه، حتى وقع نظرها على الشباك المفتوح، وعلى طرفه السفلي طرف يد متعلقة به.
وهنا كانت الصدمة، إنه لص، تماماً، لقد سرق كل شيء، وفجأة ودون أي تردد وأي أفكار داخلية من خوف وهلع دفعت نفسها بكل ما أوتيت من قوة وعزم نحو النافذة ممسكة السكين نحو اليد المتعلقة، ووجهت إليها طعنات قوية.
بدأ السارق يصرخ ألماً، ويده تنزف دماً، فلم يعد يستطع التمسك بطرف النافذة، ويده الأخرى تمسك بقطعة من قماش السرير مملوءة ذهباً ومالاً مسروقاً.
يد ودماء
علا صوتها من النافذة قائلة:
سارق…. لص…. أنقذوني….. سارق….. يا جيران….سارق
كانت ابنة احدى الجارات مستيقظة حينها، جالسة تدرس لامتحاناتها في اليوم التالي، وكان بيتها يطل على نافذة غرفة النوم المسروقة.
سمعت وداد صوت ابنة جارتها هند، وهي تصرخ فانتابها الرعب، وقفزت مسرعة نحو نافذتها لتعلم ما الأمر.
استطاعت وداد رؤية السارق وهو معلق بالنافذة التي تنظر اتجاهها، ورأت هند تطل من نافذتها، وما إن وقع نظرهما على بعضهما، بدأتا بالصراخ سوياً.
ثم أسرعت وداد نحو غرفة أبويها توقظهما على عجل، مطلقة نداءها:
سارق في غرفة الجيران… هند …. سارق… استيقظوا
وعلى الرغم من ايقاظ العائلة بأكلمها على تلك الصدمة، إلا أنها خرجت لوحدها بما ترتديه من ثياب النوم، إلى الشارع وهي تصرخ للجيران.
وفي عدة لحظات قصيرة، اجتمع أكثر من شخص تحت النافذة واللص، وبدأوا ينهالون عليه بالشتائم والتهديد والوعيد.
لكن اللص حينها لم يعرف ما العمل في ذلك الوقت، ولكثرة الصراخ من الأشخاص المتجمعين تحت النافذة، ولكثرة هلعه، ويده المجروحة بشدة، وقع على الأرض.
هجم جمع من شباب الجيران على اللص، وانهالوا عليه بالضرب من كل صوب، بأيديهم وبأرجلهم، وكان هو يحمي رأسه فقط من قوة ضرباتهم.
هنا شعرت هند بقوة رهيبة وسعادة بالنصر، ونزلت مهرولة على السلالم، ومن ثم فتحت باب بيتها متجهة نحو جمهرة المتكتلين على السارق البغيض.
وصرخت:
لقد سرق.. لقد سرق كل شيء
هنا لاحظ أحد الشبان قماشاً بيد السارق، فسحبه بسرعة، وأعاده إلى هند، أمسكته وجعلته بين يديها وكانت لا تزال تمسك بالسكين المضرجة بالدماء.
لم تستطع هند لبضع أيام النوم في الغرف العلوية للمنزل، بعد تلك الحادثة المخيفة، وكانت إذا ما نامت في تلك الغرفة، تضع سكيناً أسفل مخدتها.
في تلك الليلة، ولسبب ما، كانت هند قد اقتنعت بينها وبين نفسها، أن قطتها تلك هي التي أنقذتها من فكرة مواجهة السارق عيناً.
حيث أنها لو لم تؤخرها لبعض الوقت، ووقوفها على سلم المنزل الداخلي، كان من الممكن أن يحصل شيء أخطر مما كانت تتوقع.
جميع حقوق الملكية الفكرية والنشر محفوظة لموقع غدق www.ghadk.com
“يمنع منعاً باتاً نقل أو نسخ هذا المحتوى تحت طائلة المسائلة القانونية والفكرية”
يمكنكم دعم الموقع عن طريق الاشتراك في صفحة الفيس بوك Facebook وحساب الانستغرام Instagram وحساب تويتر Twitter
للتواصل والاستفسار والدعم التواصل على البريد التالي : ghadak.site@gmail.com