تاريخ وأحداث

عودة متحف الموصل الثقافي إلى الحياة

متحف الموصل الثقافي

عودة متحف الموصل الثقافي إلى الحياة

لفت متحف الموصل الثقافي أنظار العالم إليه في فبراير 2015 عندما قام متطرفون بتحطيم القطع الأثرية فيه ، وحرق الوثائق ، والإضرار بأساساته .

حينها أدرك العالم أن هذا لم يكن مجرد تحطيم الحجر الجيري والمرمر ، وإشعال النار في الورق ، وتحطيم للنوافذ ، بل كان محاولة لتدمير التاريخ نفسه .

تدمير لسجل الحضارات السابقة ، بما في ذلك الحضارة الإسلامية ، التي دخلت المدينة وأثرّت عليها في يوم من الأيام ، وجلب الخراب إلى منطقة كانت بمثابة مفترق طرق ثقافي لآلاف السنين .

لكن الآن ، وبعد عدة سنوات من الإصلاحات الطارئة والأعمال التحضيرية ، سار المتحف بثبات على طريق إعادة التأهيل وإعادة الافتتاح في نهاية المطاف .

فقد انضمت مؤسسة سميثسونيان ومتحف اللوفر وصندوق الآثار العالمية ومؤسسة ALIPH  ، إلى وزارة الثقافة العراقية ومجلس الدولة للآثار والتراث ، لتجديد المباني وترميمها وإنشاء المعارض .

وفي تشرين الثاني عام 2020 دخل الزوار قاعة الاستقبال الملكية بالمتحف التي تم ترميمها جزئياً في مبنى قديم مجاور للاستمتاع بأعمال الفنان العراقي عمر قيس ، واعتبر اشارة للتعافي النهائي للمتحف .

تخريب متحف الموصل الثقافي

تخريب متحف الموصل الثقافي

الموصل مدينة متعددة الأعراق والأديان ، وهي ثاني أكبر مدينة في العراق ، لكن في عام 2014 دخلت المجموعات الإرهابية وقامت بإعدامات جماعية ودمرت البنية التحتية والتجارة .

أضرمت النيران في مكتبة الموصل ، ودمرت مواقع مثل قبر النبي يونس ، وتماثيل ضخمة في موقع المدينة الأثري في مدينة نينوى .

وتم تفجير القصور والبوابات والمباني القديمة في الموقع الأثري الضخم للعاصمة الآشورية ، والذي يعود تاريخه إلى 800 قبل الميلاد ويقع على بعد حوالي 20 ميلاً خارج الموصل .

وبعد ثلاث سنوات استعاد الجيش العراقي والبشمركة الكردية وقوات التحالف المختلفة مدينة الموصل ، ومع تأمين المدينة والمنطقة المحيطة بها واجه كبار الثقافيين العراقيين دوامة من الدمار الثقافي .

فانضم بعض علماء الآثار الأمريكيين إلى زملائهم العراقيين: مفتش الآثار والتراث الإقليمي في نينوى ، ومدير متحف الموصل ، ومسؤولو مجلس الدولة للآثار والتراث .

بعد أن قاموا لسنوات بتوجيه البرامج التعليمية في المعهد العراقي للحفاظ على الآثار والتراث في مدينة أربيل المجاورة لبدء التخطيط لجهود التعافي في متحف الموصل .

وكان التوجه لبدء العمل في موقع نمرود في المرتبة الأولى عندما أصبح آمناً ، حيث رتبت اليونسكو لبناء سياج حول المجمع .

إذ وثقت الفرق العراقية والأمريكية الأضرار ، ونجحت في نقل مئات الأطنان من شظايا ضخمة من المنحوتات الأثرية المحطمة ، وبنت منشأة تخزين وبدأت في الحفاظ على البقايا الأثرية .

أهمية متحف الموصل الثقافي

أهمية متحف الموصل الثقافي

متحف الموصل هو ثاني أكبر متحف في العراق بعد المتحف الوطني في بغداد ، بالقرب من وسط المدينة القديمة .

كان قد فتح أبوابه في عام 1952 للزوار في قاعة الاستقبال الملكية ، ومن ثم انتقل إلى مبنى رئيسي أكبر وحديث تم تشييده في حديقته في عام 1974 .

وقد احتوى المتحف على صالات عرض مخصصة للحضارات الآشورية والآرامية والإسلامية وتحتوي على مساحة معروضة للقطع الأثرية التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ .

لكن في عام 2018 كانت حفرة ضخمة تتخلل الرواق الآشوري مع حطام وبقايا التماثيل المتناثرة حولها ، وتظهر البنية التحتية في حالة سيئة ، بينما رماد 25000 كتاب ومخطوطة محترقة يغطي كل شيء .

وقد تم كشف لمجموعة العلماء أن بعض قطع المجموعة تم نقلها بأمان عبر النهر وتخزينها بعيداً ، لكن ذلك لم يكن كافياً .

وقد طلب العراقيون أموالًا للمساعدة في استعادة متحف الموصل الثقافي من مؤسسة ALIPH بغرض إنقاذ التراث الثقافي المتضرر ، والتي وافقت على منح الدعم .

كما شارك متحف اللوفر في المشروع مع مديره جان لوك مارتينيز ، ومؤسسة سميثسونيان بقيادة كوري فيجنر والتي ساعدت في إنقاذ المتحف الوطني العراقي في بغداد سابقاً .

بالإضافة إلى مهندسين تشيكيين من  GEMA Art International، انضموا جميعاً الى زملائهم العراقيين مع المحافظ وموظفي المتحف وعدة مهندسين من جامعة الموصل .

قاموا جميعاً بفحص الأضرار الهيكلية للمبنى ، ووثقوا الضرر في الصور والرسومات ، وفحصوا السلامة الهيكلية للمتحف والبنية التحتية .

إصلاحات متحف الموصل الثقافي

إصلاحات متحف الموصل الثقافي

تم إصلاح النوافذ والمناور وأجزاء من السقف المتضرر واستبدلت الأبواب ، وركبوا سقالات لدعم أرضية القاعة الآشورية ودعامات القضبان الفولاذية .

وتم إصلاح مرفق التخزين ، وبناء وتجهيز معمل صيانة ، والبدء في استعادة الأشياء التالفة والمنحوتات ، وأجرى موظفو متحف اللوفر جرداً للمجموعة ، وبدأوا أنشطة الترميم .

وقد نجا عدد كبير من القطع الأثرية في المتحف من أعمال النهب ( اثنين من القبور الخشبية المنحوتة لشخصيات دينية تاريخية والعديد من أبواب المساجد الخشبية المنحوتة ) .

وخلص المهندسون إلى أن المبنى كان سليماً من الناحية الهيكلية ويمكن إصلاحه ، ولكن يلزم القيام بالكثير من التعديلات على المبنى من أجل الصرف الصحي المناسب .

وإصلاح أماكن الحرائق ، والجدران والأرضيات والأسقف المتضررة بالقنابل ، واستعادة الطاقة واستبدال نظام التدفئة والتهوية وتكييف الهواء بالكامل .

ورغم عدم الاستقرار السياسي والانتخابات ووباء فيروس كورونا الذين أدوا إلى إبطاء التقدم خلال العام الماضي ، لكن الموظفين قاموا بتنظيف المبنى .

حيث تم جمع شظايا من جميع أنحاء المتحف وتنظيمها بشكل منهجي لترميم الأعمال الفنية والتحف .

وفي نهاية المطاف طور كل من متحف اللوفر وسميثسونيان في الأشهر القليلة من عام 2020 وحدات تدريبية رقمية لموظفي متحف الموصل .

ورتب الشركاء أيضاً لجلب صندوق الآثار العالمية بخبرته الواسعة في تنسيق الأعمال المعمارية والهندسية وأعمال إعادة الإعمار .

أعمال ترميم أخرى في مدينة الموصل

أعمال ترميم أخرى في مدينة الموصل

مع بداية عام 2021 بدأت استعادة الزخم من أجل التجديد الكامل للمتحف ، وتتواصل الجهود الكبيرة الأخرى في مواقع مثل نمرود الذي تمول ترميمه دولة الإمارات العربية المتحدة .

وتقود منظمة اليونسكو مشروعاً كبيراً لترميم مسجد النوري الكبير في الموصل ومئذنته المائلة الشهيرة ، ومجمعي الكنائس في المدينة .

وتدعم ALIPH الجهود التي تبذلها جامعة بنسلفانيا بالتعاون مع جامعة الموصل لترميم بوابة مشكي الشهيرة في نينوى ، جنباً إلى جنب مع مركز للزوار .

وقد حقق هذا الفريق بالفعل تقدماً كبيراً في ترميم منزل توتونجي والذي هو قصر عثماني مزخرف في المدينة .

إن استعادة التراث المفقود والمتضرر هو ليس انتصاراً على التطرف فقط ، ولكنه أيضاً عنصر أساسي لاستعادة روح وحيوية المجتمع ، مما يشير إلى انتصار المعرفة على الجهل والتفاهم على التعصب .

إن ترميم وإعادة فتح هذه المواقع التاريخية والتعليمية يوفر لمواطني الموصل موارد ثقافية لصياغة مستقبلهم وأيضاً المساهمة في إنعاش الاقتصاد وجذب الاهتمام وجذب الزوار وتغذية التجارة المحلية .

لا يزال هذا المستقبل بعيداً ، ولكنه مع ذلك يمكن تصوره وهو قابل للتحقيق بالنظر إلى المرونة المثبتة للمحترفين والملتزمين في العراق .


المصدر

جميع حقوق الملكية الفكرية والنشر محفوظة لموقع غدق www.ghadk.com

“يمنع منعاً باتاً نقل أو نسخ هذا المحتوى تحت طائلة المسائلة القانونية والفكرية”

يمكنكم دعم الموقع عن طريق الاشتراك في صفحة الفيس بوك Facebook وحساب الانستغرام  Instagram وحساب تويتر Twitter

للتواصل والاستفسار والدعم التواصل على البريد التالي : ghadak.site@gmail.com

غدق

تقييم المستخدمون: 5 ( 3 أصوات)
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الرحاء ايقاف مانع الاعلانات