كريستوفر كولومبوس Christopher Columbus
كريستوفر كولومبوس : غادر ماركو بولو القسطنطينية عام 1260 في رحلة إلى شرق آسيا . وعند عودته بعد ذلك بسنوات عديدة كان باستطاعته أن يثبت لأوروبا التي استحوذ عليها الذهول ، أن التجارة البرية المباشرة مع بلاد كاثاي والهند الغربية الأسطورية ، أمر ميسور لرجال الغرب ، وإن كانت تكتنفه الأهوال والصعاب .
وبصرف النظر عن البعد الشاسع ، كانت أخطار الرحلة رهيبة ، مما كان يؤدي إلى ارتفاع تكلفة أية بضائع يعود بها التجار من هناك إلى درجة تجعل تصريفها مستحيلاً .
ولذلك كان الطريق الأكثر ألفة هو الطريق الطويل الذي يمر عبر البحار ماراً بالمحيط الهندي إلى البحر الأحمر ، ثم تنقل البضائع على ظهور الجمال شطرالموانئ الأفريقية على البحر المتوسط .
ومع حلول القرن الخامس عشر كانت هناك كميات كبيرة من البضائع الشرقية تصل إلى أوروبا من خلال الطريق المذكور ، وتشمل الكافور والقرفة والفلفل وجوزة الطيب والحرير والأقمشة الفاخرة ، ولكن أسعار هذه السلع ظلت مرتفعة .
وفي ذلك الوقت كان أغلب الأوروبيين يعلمونأن الأرض كروية ، وبالرغم من أنه كان يوجد بعضهم ممن يرفض تصديق ذلك .
ولكن لم يكن أحد يعلم مدى ضخامة الكرة الأرضية ، أو ما الذي يمكن أن يحدث إذا أقلع أحد رجال البحر بسفينة تجاه الغرب من أجل أن يصل إلى الشرق .
وكان المحيط الأطلسي الهائج الكئيب مليئاً بمكامن الرعب المجهول ، ولا بد أن بعض الذين جازفوا بالملاحة فيه كانوا ما زالوا يعتقدون أن السفينة عندما تدرك حدوده الغربية لا بد أن تهوي في هوة لا قرار لها .
كريستوفر كولومبوس
كان ملاح من الميناء الإيطالي جنوى هو أول من كشف عما يوجد خلف الامتداد اللانهائي العاصف للأطلسي .
وكما نعلم جميعاً فقد اكتشف ذلك الملاح أثناء عمله هذا أمريكا عن طريق الخطأ .
كيف نصل إلى الشرق عن طريق الغرب ، هذه هي الفكرة التي كانت تسيطر على كريستوفر كولومبوس الذي عاش عدة سنوات في لشبونة .
ومن هذا الميناء عند مصب نهر التاجوس ، كان كريستوفر كولومبوس يرى الأطلسي ممتداً إلى ما وراء الأفق .
وكانت اوروبا عامرة بالأقاصيص حول الأشباح التي تقطن هناك ، وحول البحار الجبلية التي تحركها العواصف المتصلة والتي لا مفر من أن تحطم أية سفينة تجازف بالتوغل فيها .
ولكن كريستوفر كولومبوس لك يكن بمصدق أياً من هذه الأقاصيص ، وفي نظره لم يكن يوجد وراء الأطلسي غير جزر الهند الغربية .
وإذا ما توفرت له السفن والرجال ، فقد يستطيع إثبات صحة ذلك . ولكن كيف الحصول عليها ؟
كان جون الثاني ملك البرتغال معروفاً باهتمامه بمثل هذا المشروع ، وأقنعه كولومبوس بتكوين لجنة لدراسة إمكانياته .
ولكن الرأي الذي انتهت إليه اللجنة كان ببساطة واختصار ( أن الإيطالي معتوه ) .
ولكن الأمر كان يتطلب أكثر من ذلك لإرغام كريستوفر كولومبوس على التسليم ، فقد كان مقتنعاً بسلامة خطته .
وإذا لم يساعده ملك البرتغال ، فيجب عليه أن يبحث عن جهة أخرى ، حت لو اضطره الأمر إلى الترحال عبر كل أوروبا ، فإنه لا بد واجد شخصاً عنده المال والخيال لمساعدته .
وقد اتجه أول الأمر إلى إسبانيا ، وكان من الصعوبة بمكان على أي أجنبي أن يحصل على مقابلة في البلاط المتزمت لحكام إسبانيا .
ولكن لم يكن هناك شيء يقف أمام هذا الإيطالي الجسور . فعقد كولومبوس صداقات مع بعض رجال القصر ، ولم يلبث أن تمكن من عرض خطته على الملك والملكة فرديناند الأرجواني وإيزابيلا القشتالية .
ومرت أيام من الانتظار المثيرالى أن سمع أن الملكة قد حددت له مقابلة ، وكان ذلك أول مايو عام 1486 .
ترى هل حان الوقت إذن لأن يحاط كولومبوس علماً بإمكانية تنفيذ خطته ؟ وهل كان ذلك بداية مغامرته الكبرى ؟
لقد كان الأمر بعيداً عن ذلك ، إذ لم يزد على أن الملكة إيزابيلا أنبأته باستعدادها لتكليف بعض علماء جامعة سالامنكا بدراسة خطته .
وكان باستطاعة كولومبوس أن يتنبأ بالنتيجة التي قد يتوصل إليها هؤلاء العلماء ، ولكن كان من الصعب عليه أن يتنبأ بطول الوقت الذي سيستغرقه في التفكير قبل التوصل إلى الحكم .
ومرت سنوات عديدة قبل أن يسمع قرارهم ، وجاء في القرار ( إن الأمر يبدو مستحيلاً ، لأي إنسان على قدر من التعليم ، إمكانية تحقيق هذه الخطة ) .
وكانت ضربة أخرى قاصمة ، إذ أن كريستوفر كولومبوس كان واثقاً من تعاطف إيزابيلا معه ، فاستجمع شجاعته وكتب إليها قائلاً ، إنها إذا لم تساعده فسيذهب ويجد عاهلاً آخر مستعداً لمساعدته .
وترك البلاط الإسباني متوجهاً إلى فرنسا التي بدت أقل استعداداً من إسبانيا ، إذ أن الفرنسيون لم يكونوا قد أظهروا بعد غير قليل من الاهتمام باسرار الأطلسي .
وكانت أبصار ملك فرنسا موجهة إلى الفتوحات في إيطاليا وليس إلى الغرب . ولكن حينما كان كولومبوس على وشك أن يطأ الأرض الفرنسية إذ بمجموعة من الجنود الإسبان تباغته وتقدم له رسالة من إيزابيلا .
جاء فيها أنها ترفض نصيحة علمائها ، وأنها على استعداد لمساعدته على تنفيذ خطته .
وبعد هذه السنين الطويلة من الصبر وخيبة الرجاء ، تحقق النصر لكولومبوس ، وأخيراً أصبح في إمكانه أن يتحدى البحر المجهول .
وسيعلم العالم عن قريب أن كل ما تنبأ به هو أمر من الممكن تحقيقه : الوصول إلى الشرق عن طريق الغرب .
كريستوفر كولومبوس المغامرة الكبرى
في صبيحة الثالث من شهر أغسطس 1492 أقلعت من ميناء بالوس ثلاث سفن تحمل أسماء : نينا ، بنتا ، سانتا ماريا .
وكانت على هذه السفن الثلاث – تحت قيادة كريستوفر كولومبوس – أن تنفذ مشروع الهند الغربية ، وكان طاقمها يقل في مجموعه عن مائة شخص .
كان كولومبوس هادئاً ، ولم يكن من النوع الذي يستسلم للأحلام ، وكان ملاحاً حذراً محنكاً ، يتمتع بحارته بثقته ، وشباطه على درجة عالية من الخبرة .
وقد ابحر الأسطول في بادئ الأمر تجاه جزر الكاناريا ، ومن هناك اتجهوا غرباً إلى المجهول .
ويماً وراء يوم لم يكونوا ليروا غير البحر والسماء ، وبدأ الضجر يحل بالبحارة ، لماذا لا يعودون على أعقابهم ؟
إن هذا الإيطالي الملعون يقودهم إلى حتفهم ، ولكن الريح كانت مواتية : فقد كانوا عند الطرق الشمالي لحزام الريح التجارية التي تهب من الشمال الشرقي ، وكانت الريح تهب باستمرار ولكن دونما عنف .
وذات صباح صرخ بحار على ظهر السفينة بنتا أن هناك أرضاً على مرمى البصر . وعند الأفق كان يشاهد شريط قاتم . ولكن عندما اقتربوا منه ، إذ به يختفي .
وتملك الرجال الرعب ، ولكن قائدهم الهادئ خفف من مخاوفهم وأنبأهم أن الأمر لم يكن غير مجموعة من السحب .
والآن مر عليهم شهران وهم في هذا المحيط اللانهائي ، حتى أصبح الرجال على شفا التمرد ، ورددوا القول : دعونا إما أن نعود أو أن نلقي بهذا الإيطالي الملعون في البحر .
كيف يمكن الآن لكولومبوس أن يهدئ من روعهم ؟ وإلى متى سيظل هو محتفظاً بإيمانه ؟ وأخيراً قطع كولومبوس على نفسه عهداً بأن يعودوا على أعقابهم إذ لم يروا اليابسة خلال ثلاثة أيام .
ولم يكن هذا بوعد مفاجئ كما قد يبدو ، إذ أنه كان قد ابصر فوق سطح الماء غصن شجرة عائماً ما زال يحمل زهوراً . ومن هنا علم كولومبوس أن اليابسة لا بد أن تكون قريبة جداً .
وفي الساعة الثانية من صباح الثاني من أكتوبر رنت في أسماع كولومبوس من على ظهر السفينة بنتا تلك الصيحة التي طال اشتياقه لها ( الأرض .. الأرض ) ، فخر كولومبوس على ركبتيه ساجداً يشكر الله .
رحلة كريستوفر كولومبوس
اعتقد كريستوفر كولومبوس أنه قد وصل إلى جزر الهند الغربية . ولكن الأرض التي أبصرها كانت في الحقيقة واحدة من الجزر الخارجية في مجموعة الباهاما .
وطبقاً لعملياته الحسابية الخاصة كانت الجزر التي شاهدها جزءاً من أرخبيل اليابان ، والتي كان قد قدّر بعدها عن أوروبا بحوالي 3000 ميل ( تزيد المسافة في الواقع عن 10000 ميل ) . وكان الهدف من باقي رحلته اكتشاف اليابان نفسها .
ودار كريستوفر كولومبوس من حول الشواطئ الشمالية لكوبا وهاييتي التي وجد رجاله فيها كميات بسيطة من رواسب الذهب ، وقاموا بمقايضة السكان على بعض حلييهم الذهبية .
ولكن تعثر حظ الأسطول على شواطئ هاييتي عندما تحطمت سفينة القيادة سانتا ماريا ، فصمم كريستوفر كولومبوس على العودة إلى الوطن تاركاً عدداً صغيراً من رجاله على البر .
وقد قام كولومبوس بثلاث رحلات أخرى إلى الأراضي الجديدة ، ولكنه لم يقابل كل مرة بالترحاب .
ولم يلبث المستوطنون الإسبانيون أن توافدوا ، وقام الحاكم المعين من قبل الحكام الإسبان بإصدار الأمر إلى كولومبوس بالعودة إلى إسبانيا والبقاء فيها .
إذ كان ثمة اعتقاد بأن وجوده يسبب القلاقل بين المستوطنين ، وكانت راعيته الملكة الإسبانية قد فارقت الحياة ، ولم يكن اسمه معروفاً في البلاط .
وفي حانة بائسة في فالادوليد لفظ كريستوفر كولومبوس أنفاسه وحيداً في اليوم العشرين من شهر مايو سنة 1506 .
المصدر
جميع حقوق الملكية الفكرية والنشر محفوظة لموقع غدق www.ghadk.com
“يمنع منعاً باتاً نقل أو نسخ هذا المحتوى تحت طائلة المسائلة القانونية والفكرية”
يمكنكم دعم الموقع عن طريق الاشتراك في صفحة الفيس بوك Facebook وحساب الانستغرام Instagram وحساب تويتر Twitter
للتواصل والاستفسار والدعم التواصل على البريد التالي : ghadak.site@gmail.com