النار على حدود الماء قضية المياه في الوطن العربي
قضية المياه في الوطن العربي ليست مجرد نقص كمي في مصادر المياه العذبة أمام نمو متزايد في أعداد السكان واحتياجات الناس منها لأغراض الزراعة والصناعة والشرب والاستخدامات المنزلية .
وإنما هي قضية سياسية واقتصادية وإستراتيجية ، خصوصاً في الدول التي تمر بها أنهار تخضع منابعها لسيطرة دول أخرى ، أو تمر في دول أخرى غير عربية قبل وصولها إلينا مثل نهر الفرات و نهر دجلة الذي ينبع من تركيا ، ونهر النيل الذي ينبع من أواسط إفريقيا .
قضية المياه
نهر النيل تقع في حوضه إحدى عشر دولة منها ثمان في منطقة المنابع ، وهذان النهران النيل و الفرات يوفران ما يصل إلى ربع استهلاك الوطن العربي بأكمله من المياه العذبة تقريبا.
أما بالنسبة لحوض النيل وهذه الدول هي :
- تنزانيا
- أوغندا
- رواندا
- بوروندي
- جمهورية الكونغو الديمقراطية
- كينيا
- إثيوبيا
- إريتريا
- جنوب السودان
- جمهورية السودان
- مصر
ودول الخليج فقيرة إلى حد ملفت للنظر في المصادر المائية العذبة ، وأراضيها واحدة من اثنتين إما أراض تعوم فوق بحيرة من النفط ، أو أراض تعوم فوق بحيرة من المياه المالحة التي لا تفيد في الشرب أو الزراعة ، ولذلك لجأت إلى تكنولوجيا التحلية وأمنت ولو بتكلفة مرتفعة مستوى أفضل لاستهلاكها من الماء من الدول التي بها أنهار .
المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي يقول : إن الحضارات كانت دائما تقوم على ضفاف الأنهار ولعل هيرودوت أبو التاريخ هو الذي قال إن مصر هبة النيل ودجلة والفرات أعطيا اسميهما للدولة التي يصبان بها، أي العراق ، فباتت تعرف باسم بلاد الرافدين و بلاد ما بين النهرين و سوريا أيضاً .
وفي مصر القديمة بنى امنحتب الثالث أول سد لتخزين المياه في التاريخ للاستفادة من مياه النيل إلى الحد الأقصى ، وفي اليمن بني سد مأرب في القرن الثامن قبل الميلاد ، ولا تزال آثار المنشآت المائية التي بنيت منذ آلاف السنين قائمة ومنتشرة في أرجاء الوطن العربي تشير إلى إحساس أجدادنا القدامى بمشكلة الماء.
قضية المياه في الدول العربية
بشكل عام فإن الدول العربية كلها مهددة بأزمة ماء ، إذ إن 90% من مساحة وطننا العربي تقع في محيط المنطقة الجافة من العالم التي تمتد من أواسط آسيا إلى سواحل المحيط الأطلسي.
وتخترق منطقتنا من الغرب إلى الشرق صحارى واسعة جدا يكاد ينعدم فيها المطر ، أما المناطق الساحلية والجبلية منها فإنها تتعرض لتيارات هوائية بحرية ومنخفضات جوية تسبب هطول الأمطار في مواسم محددة فقط.
وإذا كنا أغنياء بالنفط فإننا فقراء جدا بالماء ، إذ إن نصيب العرب من المياه لا يتجاوز 0.7% من اجمالي الموارد المائية في العالم ، رغم أننا نستوطن ما يقرب من عشر مساحة اليابسة ونصيب الفرد العربي سنويا من الماء العذب لا يزيد على 13.4% من مستواه العالمي، ويكفي في هذا المجال أن نذكر أن الثروة المائية لدولة مثل فرنسا مثلا تعادل الثروات المائية لكل الدول العربية مجتمعة .
قضية المياه كانت تشكل محور الجغرافيا السياسية في كل مرحلة من مراحل التاريخ ، وهو أساس التفاعلات الحضارية والتدخلات الخارجية.
وإذا كان النفط سلعة استراتيجية في الوقت الحاضر ، تخوض الدول من أجلها الحروب ، فإن النار سوف تنتقل إلى حدود الماء في المستقبل القريب ، بحيث تنشب الحروب لغاية واحدة فقط هي حماية المصادر المائية.
ها هو الخبير الأمريكي توماس ناف يتوقع لنا هذا المصير ويقول : إن المياه في الشرق الأوسط قضية اقتصادية وسياسية واجتماعية ، وتمتد لتصبح مصدرا للصراع ، وهو ما يجعلها ذات بعد عسكري.
وليس من المنطقي أن نطالب بإنشاء مجلس قومي للمياه في الوطن العربي لتنسيق المواقف في مواجهة قضية المياه ، إذ إن مجالسنا أثبتت عدم جدواها حيثما أنشئت، ولكن إذا لم نفعل ذلك فإن النار لن تتوقف عند حدود الماء ، وإنما ستحرقنا بلهيبها.
شاهد
تلوث المياه وتأثيره على النظام البيئي
المصادر
جميع حقوق الملكية الفكرية والنشر محفوظة لموقع غدق www.ghadk.com
“يمنع منعاً باتاً نقل أو نسخ هذا المحتوى تحت طائلة المسائلة القانونية والفكرية”
يمكنكم دعم الموقع عن طريق الاشتراك في صفحة الفيس بوك Facebook وحساب الانستغرام Instagram وحساب تويتر Twitter
للتواصل والاستفسار والدعم التواصل على البريد التالي : ghadak.site@gmail.com