المزيفون في الأفلام
المزيفون : تعودنا في الأفلام السينمائية التي تتناول الحرب العالمية الثانية أن نرى جحافل من الجيوش تقابل جحافل أكثر عدداً ، وطائرات نازية تغير على المدن طوال ساعات الليل والنهار تصب حممها على السكان دون تمييز، ومدافع تحيل ظلام الليل إلى نهار ، ومآسي يتعرض لها المدنيون العزل ، وملايين اليهود يساقون إلى معسكرات الاعتقال لحرقهم أحياء ، ومغامرين يتسللون وراء خطوط العدو ينفذون عمليات نسف وتفجير.
ولا غرور ، فـ الحرب سلسلة من الكوارث التي تنتهي بانتصار أحد طرفيها كما يقول كليمنصو، والانتصار فيها كارثة كما الهزيمة، وحتى الأمس القريب كان الجنود الذين خاضوا الحرب العالمية الثانية لا يزالون على قيد الحياة ، وهؤلاء يتوقعون في الأفلام التي يرونها على الشاشة أن تصور معاناتهم في ساحات المعارك، وأن تكون “وقائعية”، وقد أثرت نظرتهم هذه في صناع السينما في هوليوود إلى حد كبير.
المزيفون
سنوات كثيرة مرت على انتهاء الحرب ، قضى خلالها رودولف هيس في سجن سبينداو ومات معظم الذين شاركوا فيها ، ومن بقي منهم على قيد الحياة جاوز التسعين من العمر حاليا ، يقضي ما تبقى من أيامه يكح ويسعل ، والجيل المزيفون الذي ولد بعد الحرب ينظر إليها وقد ترك مسافة ملحوظة بينه وبينها، فضلا عن أن احتكار هوليوود للأفلام التي تروي تاريخ الحرب لم يعد قائماً.
في هذا الإطار يقع فيلم السقوط الذي انتجته ألمانيا ، والذي يخرج المشاهد منه وهو يقول : يبدو أن هتلر ليس على درجة السوء التي يتحدث عنها الأمريكيون .
و فيلم رسائل من أيو جيما الياباني يتناول معركة أيو جيما من وجهة نظر يابانية خالصة.
من الأفلام التي انتجتها ألمانيا التي تدخل في قائمة الأفلام الجديدة عن الحرب العالمية الثانية فيلم “ المزيفون ” من إخراج الاسترالي ستيفن ريتوفيتسكي ، والفيلم يتناول الحرب الثانية في عمق نخاعها ، ولكنه خال من هدير الطائرات والدبابات وأصوات المدافع ومنظر الجنود الذين يتعرضون للموت أو الاصابة أثناء المعارك.
فكل هذه الأشياء خلفية للفيلم لا يراها المشاهد ، إذ إن القصة تدور حول عملية بالغة السرية تحمل اسم “عملية بيرنهارد ” أقرها هتلر في شهور الحرب الأخيرة ، وبموجبها أمر بإنشاء وحدة تضم أمهر مزيفي النقود من اليهود في ألمانيا وجمعهم في معسكر ساخنهاوزن قرب برلين، وطلب منهم تزييف أكبر كمية من الدولارات والاسترليني ليستخدمها الألمان أثناء الحرب وبعدها لتدمير الاقتصاد الأمريكي والبريطاني.
وفي معسكر ساخنهاوزن وفر النازيون لخبراء التزييف كل وسائل الراحة الممكنة لرفع معنوياتهم، وكان الأكل الذي يقدم لهم من النوع الذي يقدم في فنادق الخمس نجوم، ويسمح لهم بممارسة هوايات مميزة مثل التنس والبولينج داخل المعسكر.
رغم أن الزعيم النازي فريدريك هيرزوج كان يحاول دائما تذكيرهم بأن عدم التعاون بإخلاص في العملية يعني الموت، فإن الفيلم يعطي الضابط النازي الذي كان يشرف على المعسكر وجها إنسانيا.
ويكشف أن بعض المزيفون كان يحس بوخز الضمير لأنه يدعم جهداً نازياً ، بينما البعض الآخر أكثر براغماتية ويرى أن المهم هو: أن ينجو من الموت، وأن يظل على قيد الحياة.
الطريف أن اثنين من الذين عملوا في المعسكر أثناء الحرب زارا طاقم الفيلم أثناء التصوير وخاضا في مناقشات طويلة حول لون الستائر في الغرف وأغطية الفراش، فقال لهما المخرج: أنا لا أحاول اعطاء المشاهدين درساً في التاريخ، وإنما أحاول إعطاءهم معنى إنسانيا من معاني الحياة من خلال تجربة المزيفون .
شاهد
المصدر
جميع حقوق الملكية الفكرية والنشر محفوظة لموقع غدق www.ghadk.com
يمنع منعاً باتاً نقل أو نسخ هذا المحتوى تحت طائلة المسائلة القانونية والفكرية
يمكنكم دعم الموقع عن طريق الاشتراك في صفحة الفيس بوك Facebook وحساب الانستغرام Instagram وحساب تويتر Twitter
للتواصل والاستفسار والدعم التواصل على البريد التالي : ghadak.site@gmail.com
3 تعليقات