
السياب بدر الشعر العربي
بدر شاكر السياب هو شاعر عراقي الجنسية، و أحد الشعراء المشهورين في القرن العشرين، كما يعتبر أحد مؤسسي الشعر الحر. سنتناول في هذا التقرير جوانب مختلفة من حياته، ابتداءً من نشأته وتعليمه، وانتهاءً بمرضه ووفاته. سنتطرق كذلك إلى دوره في تأسيس الشعر الحر، كما سنذكر بالتأكيد أهم أعماله الشعرية.
نشأته وتعليمه:
ولد بدر شاكر السياب عام 1926م في قرية جيكور قرب نهر بويب بقضاء أبي الخصيب في البصرة. هذه القرية التي لطالما كانت حاضرة في قصائده:
جيكورُ ستولدُ جيكورُ
النورُ سيورِقُ والنُّورُ
جيكورُ ستولدُ من جرحِي
من غصةِ موتِي منْ ناري
سيفيضُ البيدرُ بالقمحِ
والجرن سيضحك للصبحِ
والقريةُ دارًا عن دارِ
تتماوج أنغامًا حلوةْ
والشيخُ ينامُ على الربوة
والنَّخلُ يوسْوسُ أسرارِي
بدر هو الأخ الأكبر لشقيقيه عبدالله ومصطفى. حظي بدر بطفولة سعيدة إلا أنها قصيرة، حيث توفيت والدته وهي في الثالثة والعشرين من عمرها عام 1932 أثناء المخاض، وكان بدر حينها يبلغ ست سنوات. كان موت والدته بمثابة فاجعة تركت في نفسه عميق الأثر، فقد كان بدر شديد التعلق بأمه، وكان يرافقها دائما في زياراتها لأمها وعمتها التي تسكن عند نهر “بويب” وتملك بستانا جميلاً مطلاً على ضفته. ظل يسأل نفسه متى تعود أمي؟ ليجيب نفسه لاحقا عبر رائعته “أنشودة المطر” في أبيات ملؤها الحزن والأسى:
تثاءب المساء، والغيوم ما تزالْ
تسحُّ ما تسحُّ من دموعها الثقالْ
كأن طفلًا بات يهذي قبل أن ينام
بأن أمه التي أفاق منذ عام
فلم يجدها، ثم حين لجّ في السؤال
قالوا له: “بعد غدٍ تعود”
لا بد أن تعود
وإن تهامس الرفاق أنها هناك
في جانب التل تنام نومة اللحود
تسف من ترابها وتشرب المطر
تزوج والد بدر بامرأة أخرى وانشغل بها عن أطفاله. زاد هذا الزواج من حزن بدر وعمّق شعوره بالافتقار إلى العطف والحنان، ففترت علاقته بوالده وانتقل مع أخويه للعيش في منزل جدته لأمه في جيكور. لم يغفر بدر لوالده زواجه بأخرى وإهماله له، فكتب في قصيدته “خيالك” مخاطبا حبيبة تخيلها على ماء الجدول:
خيالكِ من أهلي الأقربين
أبرُّ وإن كان لا يعقل
أبي منه قد جرّدتني النساء
وأمي طواها الردى المعجّل
وما لي من الدهر إلا رضاكِ
فرحماكِ فالدهر لا يعدل
بدأ بدر دراسته الابتدائية في مدرسة باب سليمان، وانتقل بعدها إلى المدرسة المحمودية وأنهى دراسته فيها بنجاح. التحق بدر بعد ذلك بمدرسة البصرة الثانوية للبنين حيث أنهى دراسته الثانوية بنجاح عام 1943م. بعد تخرجه من المدرسة الثانوية، التحق بدر بدار المعلمين العالية في بغداد وتخصص في اللغة العربية، وبعد أن أتم دراستها بنجاح، درس اللغة الإنجليزية أيضا، وتخرج من الجامعة عام 1948م.
دوره في تأسيس الشعر الحر:
اتفق النقاد ومؤرخو الأدب أن بدر شاكر السياب أحد أهم مؤسسي حركة الشعر الحر. تعد قصيدة “هل كان حبا” أولى تجارب السياب في الشعر الحر، وقد كتبها في عام 1946م، ويقول في مطلعها:
هل تسمين الذي ألقى هياماً؟
أم جنونا بالأماني؟ أم غراما ؟
ما يكون الحب؟ نوحاً و ابتساما؟
أم خفوق الأضلع الحرى، إذا حان التلاقي
بين عينينا، فأطرقتُ، قراراً باشتياقي
عن سماءٍ ليس تسقيني، إذا ما؟
جئتها مستسقياً، إلا أواما
كتب السياب عشر قصائد أخرى من الشعر الحر عام 1948م، وأدرجها في ديوانه “أساطير” الذي صدر عام 1950م. على الرغم من أن حركة الشعر الحر قد ولدت على أيدي شعراء آخرين برفقة السياب وعلى رأسهم نازك الملائكة، إلا أن النقاد يرون أن السياب أكثر أحقيّة بريادة الشعر الحر من غيره. وذلك لأنه لم يحصر الشعر الحر في التمرد على الشكل الخارجي المألوف للقصيدة فحسب، بل راح أبعد من ذلك واعتنى بتجديد المضمون الداخلي للقصيدة أيضا.

لطالما رأى السياب أن حركة الشعر الحر أكثر من مجرد تجديد عروضي، وقد أكد على ذلك في تقديمه لمجموعته “أساطير” حيث قال: “إن الشعر الحر أكثر من اختلاف عدد التفعيلات المتشابهة بين بيت وآخر. إنه بناء فني جديد، واتجاه واقعي جديد”(1). ولقد أحزنه قيام كثير من الشعراء الشباب بكتابة الشعر الحر بسطحية، فعبر عن ذلك في إحدى المقابلات الصحفية عام 1956 قائلاً: “يؤسفني أن أقول
إن التجديد الهائل الذي تناول الشكل في الشعر الحر لا يتناسب مع التجديد الضئيل الذي تناول المضمون. ويقودنا هذا إلى الاعتراف بأن ثورة الشعراء الشباب على الشكل – على القوافي والأوزان – ثورة سطحية، وأنها إذا بقيت على ما هي عليه، ستعود على الشعر العربي بأبلغ الضرر …”(2).
لقد لاقت جهود السياب في تطوير الشعر الحر والقصيدة الحديثة تقديرا لافتا، فقامت مجلة “شعر” بدعوته إلى بيروت لإحياء أمسية شعرية. أتاحت هذه الامسية للسياب التعرف إلى أدونيس وشوقي أبو شقرة وأنسي الحاج ويوسف الخال وغيرهم من الشعراء. ولقد فازت مجموعته الشعرية “أنشودة المطر” بجائزة مجلة “شعر” كأفضل مجموعة من القصائد المخطوطة في عام 1960، فقامت دار مجلة “شعر” بنشر المجموعة.
أعماله الشعرية والنثرية:
دواوين بدر شاكر السياب:
- أزهار ذابلة – 1947
- أساطير – 1950
- حفار القبور – 1952
- المومس العمياء – 1954
- الأسلحة والأطفال – 1954
- أنشودة المطر – 1960
- المعبد الغريق – 1962
- منزل الأقنان – 1963
- أزهار وأساطير – 1963
- شناشيل ابنة الجلبي – 1964
- إقبال – 1965
- قيثارة الريح – 1971
- أعاصير – 1972
- الهدايا – 1974
- البواكير – 1974
- فجر السلام – 1974

يعد ديوان “أنشودة المطر” الأوسع انتشارا والأكثر أهمية بين دواوين بدر. يحتوي الديوان على اثنتين وثلاثين قصيدة، تتناول موضوعات مختلفة، أهمها الوطني والقومي والإنساني والاجتماعي. فقصيدة “غريب على الخليج” تصور حنينه إلى العراق وتعكس إحساسه بالغربة. وكان بدر قد كتبها أثناء تواجده في الكويت، التي قصدها خوفا من أن يتم اعتقاله في العراق، لمشاركته في المظاهرات المناهضة للحكومة. يعبر بدر فيها عن عمق شوقه للعراق قائلا:
جلس الغريب، يسرح البصر المحيَّر في الخليج
ويهد أعمدة الضياء بما يُصَعِّدُ من نشيج
أعلى من العبَّاب يهدر رغوُهُ ومن الضجيج
صوتٌ تفجر في قرارة نفسي الثكلى عراق
كالمد يصعد، كالسحابة، كالدموع إلى العيون
الريحُ تصرخ بي عراق
والموج يُعوِل بي: عراق، عراق، ليس سوى عراق!
البحر أوسع ما يكون وأنت أبعد ما تكون
والبحر دونك يا عراق
الترجمات الشعرية:
- “عيون إلزا أو الحب والحرب” عن أراغون
- “قصائد عن العصر الذري” عن إيدث سيتويل
- “قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث”
- “قصائد من ناظم حكمت”
الترجمات النثرية:
- “ثلاثة قرون من الأدب”
- “الشاعر والمخترع والكولونيل” مسرحية من فصل واحد لبيتر أوستينوف
مرضه ووفاته:
في عام 1961 بدأت صحة بدر تتدهور، وبعد أن أجرى عدة فحوصات بمستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت، تبين أنه يعاني من ضمور في الجهاز العصبي، ومن أعراض تصلب جانبي ضموري. لم يفلح علاجه في بيروت، فقرر السفر لتلقي العلاج في الخارج، آملا أن يُشفى من مرضه الذي امتد إلى رجليه فلم يعد يقوى على المشي إلا بمساعدة أحدهم أو بالعكاز. سافر إلى بريطانيا ثم إلى فرنسا، ولكن بلا جدوى، فقد أخبره الأطباء أن لا علاج له وأن المرض سيستمر بالزحف.
على الرغم من مرضه وآلامه، لم يتوقف بدر عن كتابة الشعر، إلا أن شبح المرض والموت كان مخيّما على ما كان يكتبه. يقول في قصيدته “نداء الموت” مستسلما للموت:
يمدُّون أعناقهم من ألوف القبور، يصيحون بي:
أنْ تعال!
نداءٌ يشُقُّ العروقَ، يَهُزُّ المُشاش، يُبعثر قلبي رمادا
“أصيل هنا مُشْعَل في الظلال
تعالَ اشتعل فيه حتى الزوال!”
جدودي وآبائي الأولون سرابٌ على حد جَفْني تهادى،
وبي جَذوة من حريق الحياة تريد المحال،
وغيلان يدعو: “أبي سرْ، فإني على الدرب ماشٍ أريد
الصباح!”
وتدعو من القبر أمي: “بُنيَّ احتضنِّي، فَبَرْدُ الرَّدى في عروقي،
فَدَفِّئْ عظامي بما قد كسوتُ ذراعيك والصدرَ، وَاحْمِ الجراح
جراحي بقلبك أو مقلتيكَ، ولا تحرفنَّ الخُطا عن طريقي!”
ولا شيء إلا إلى الموت يدعو ويصرخ، فيما يزولْ،
خريف، شتاء، أصيل، أفولْ،
وباقٍ هو الليلُ بعد انطفاء البروقِ،
وباقٍ هو الموت، أبقى وأخلد مِن كل ما في الحياهْ
فيا قبرَها افتح ذراعيك …
إني لآتٍ بلا ضجَّةٍ، دون آه!
اشتد المرض على بدر وساءت حالته كثيرا في عام 1964، فما كان من صديقه الشاعر الكويتي علي السبتي إلا أن ناشد وزير الصحة الكويتي بمعالجة بدر على حساب الحكومة الكويتية، فوافق وزير الصحة على ذلك. غادر بدر البصرة متجها إلى الكويت، وأدخل المستشفى الأميري هناك. قضى بدر ما تبقى من أيامه في المستشفى، وفي 24 ديسمبر 1964 انتقل إلى رحمة الله. تم نقل جثمانه إلى البصرة، ودُفن في مقبرة الحسن البصري هناك.
الخاتمة:
رغم أن بدر شاكر السياب عاش حياة قصيرة في سنواتها، إذ توفي وعمره 38 عاما، إلا أنه أثراها بفيضٍ من الأعمال الخالدة التي لاتزال تؤثر في كل من يبحر فيها عميق الأثر. كان شاعرا نذر نفسه لإيصال صوت مجتمعه. لم يتوانى يوما عن مساندة قضايا أمته من خلال أشعاره. حمل في صدره قلبا مليئا بالإنسانية والوطنية.
الثلاثون الخطرة | بدر شاكر السياب
Emarat TV | قناة الإمارات
المصادر:
- د. سالم المعوش، بدر شاكر السياب أنموذج عصري لم يكتمل، مؤسسة بحسون، بيروت، ط.1، 2006
- إحسان عباس، بدر شاكر السياب: دراسة في حياته وشعره، دار الثقافة، بيروت، ط.4، 1978
- جعفر العقيلي، مقال: من الدارجة إلى لغة الشعر الحديث درب آلام طويلة في حياة قصيرة، صحيفة الرأي، 2004
- adab.com