
الحضارة السومرية والمدنية الأولى
حفريات الحضارة السومرية : كان عالم الآثار سير ليونارد وولي Woolley يقوم بالحفريات بمدينة أور Ur ، المدينة السومرية القديمة التي ولد بها سيدنا إبراهيم الخليل .
ووفّق الرجل في عامه الثاني من الحفريات وأعمال التنقيب التي كان يجريها هو وزملاؤه في قصر الكاهنة الكبيرة المعنية بخدمة إله القمر نانار Nannar الإله النصير لأور إلى اكتشاف هام .
وقد اهتدوا إلى غرفة بالقصر ملأى بالألواح المصنوعة من الطين الخزفي والتي كانت مخصصة لتعليم الكتابة . وكان يبدو بوضوح أن الغرفة كانت جزءاً من مدرسة للصبيان ملحقة بالمعبد .
اكتشافات ولقى الحضارة السومرية
وجد علماء الآثار القديمة في الغرفة التالية ألواحاً خزفية أكثر عدداً ، وجانباً من تمثال ، وحجراً مما يستعمل في إقامة الحدود وأشياء أخرى .
وكلها كانت ملقاة على أرضية مرصوفة بالطوب الأحمر الذي كان معداً للتداول في القرن السادس قبل الميلاد .
وكانت هذه الأشياء أقدم من المادة المرصوفة بها هذه الأرضية بفترة تتراوح بين 700 و 1600 سنة . ومن الصعب القول بأن هذه الأشياء التاريخية اجتمع بعضها إلى جانب بعض مصادفة .
كذلك وجدت بعد ذلك أسطوانة خزفية صغيرة مسجل بها أربعة أعمدة من الكتابة تقرأ على النحو التالي :
هذه الأشياء عبارة عن نسخ طبق الأصل من الطوب الأحمر ، عثر عليها في خرائب أور ، وهي من عمل بيرسن ملك أور ، التي وجدها حاكم المدينة بينما كان يبحث عن نوع المادة الأرضية التي بني بها المعبد والتي رأيتها وسجلتها لتكون مثار دهشة الناظرين
وكان بيرسن Būr-Sîn ملكاً لأور في سنة 2000 قبل الميلاد ، وكانت الغرفة بمثابة متحف للعاديات المحلية ، واعتبرت الاسطوانة الخزفية الشبيهة بالطبلة أول حفر علمي للمدينة في سنة 600 قبل الميلاد .
وهذه القصة ترسم لنا فكرة ما عن آثار المدنية السومرية .
الحضارة السومرية في الأرض بين النهرين
الحضارة السومرية كانت سومر Sumer الإسم القديم الذي كان يطلق على الأرض الواقعة في بلاد ما بين النهرين الكبيرين دجلة والفرات اللذان ينطلقان عبر العراق ليصبا في الخليج العربي .
وقد ارتفع مستوى هذه الأرض فوق سطح البحر نتيجة الطمي الذي تحمله مياه النهرين ، وكذلك من أثر مجار مائية صغيرة أخرى .
ولما نزحت مياه المستنقعات وضح أن التربة على قدر كبير من الخصوبة والإثمار والغنى .
ولم يكن لدى السومريون Sumerians الأوائل حجارة لتصنع منها الآلات التي يراد عملها ، لذلك كان عليهم أن يصنعوا مناجلهم من الطين الخزفي .
ولكن كانت ثمة أخشاب ليبنوا بها السفن التي تمخر عباب الماء في الأنهار أو عبر الخليج العربي حاملة التجار وبضائعهم إلى البلاد الأخرى .
ومنذ نحو 4000 سنة قبل الميلاد كانت القرى القديمة التي تحوي أكواخاً من أعواد القصب مبنية حول مزارات محلية مقدسة نمت وتطورت إلى بلدان يعمرها بضعة آلاف من السكان مثل اريدو، أوراك، لاجاش وأور .
وكان يعيش في تلك المدن السومرية القديمة كل أنواع الصناع المهرة والتجار والمتسوقون ، لكن الكهنة كانوا أكثر الناس أهمية . فقد كان السومريون قوماً متدينين ، وكانوا يؤدون الجزية لآلهتهم بانتظام .
وكان من اختصاصات الكهنة في الحضارة السومرية أن يرعوا شؤون الأرض المحيطة بالمزارات ، ويباشروا العمل الذي يجري في داخل المعابد ومن حولها .
وكانت المعابد يعاد بناؤها أكثر من مرة لأن السومريين كانوا يعتقدون أن القيام بإصلاح معبد لمرضاة الآلهة شأنه اجتلاب بركتها .
وقد جرت العادة على أن كل معبد بعد خدمة العهد الذي عاصره ، كان يملأ بالمصنوعات القرميدية ليصبح أساساً لآخر .
وعلى هذا فقد كانت رابية المعبد تزداد علواً حيناً بعد حين حتى تسيطر على المدينة كلها .
السجلات المكتوبة في الحضارة السومرية
استعمل السومريون الألواح الخزفية للكتابة ، وهي ألواح ما إن يتم إعدادها وتسويتها حتى تبقى على ما هي عليه آلاف السنين .
وتحتوي أقدم الألواح على صور بسيطة وارقام غير سوية ، تعني حسابات يمسكها الكهان وقوائم عن وحدات الأنعام وقطعان الأغنام ومقادير القمح والشعير ومنتجات الألبان وبيانات عن إيصالات ونفقات .
وبمضي الوقت تم تبسيط هذه الصور حتى أصبحت أخيراً مجرد رموز رسمت على الألواح بواسطة قطعة من البوص أو بواسطة قلم .
وكانت هذه العلامات تأخذ الإسفين أو المسمار ، وهو الإسم الذي أطلق على الكتابة السومرية .
ومنذ نحو 3000 سنة قبل الميلاد أخذت أسماء الملوك وحكام المدن تظهر في السجلات ، وكان أصحاب هذه الأسماء مرتبطين بالآلهة المنتصرة للمدن ويسمون أنفسهم الفلاحين المستأجرين لخدمة الآلهة .
وكان أصحاب هذه الأسماء كذلك قادة الحرب ، وكان الملك المنتصر الموفق في إغارته على أعدائه موضوعاً مميزاً في الفن السومري .
ولقد علم السومريون العد والحساب مبتدئين مما كانوا يطبعونه من نقط على الطين الخزفي ، وقد اخترعوا رمزاً خاصاً بالرقم عشرة .
كما أنهم اخترعوا مزولة وساعة مائية لمعرفة الوقت ، ووحدات لتقدير الوزن والمقاييس ، وكانت الأجور والمستحقات تدفع شعيراً ، ولكن الفضة والنحاس كانا يستعملان في عمليات المقايضة عليهما ببضائع .
المدافن الملكية في الحضارة السومرية
يعد اكتشاف المدافت الملكية الذي حدث في سنة 1926 خارج سياج المعبد في أور ، واحداً من أكثر الحوادث إثارة في تاريخ الحفر جميعاً .
فإن المقبرة التي وجدت دون أن ينالها العبث كانت لسيدة غير معروفة تضع على رأسها غلالة من ذهب ، وترفع إلى شفتيها قدحاً ذهبياً .
وعبر المدخل المؤدي إلى المقبرة وجد خنجر فاخر من الذهب وخاتم من متعلقات أمير من الأمراء ، كما لو كان قد ألقى بهما حيث وجدا في إيماءة لوداع حار .
وكانت المقابر الأخرى التي اكتشفت تضم رجلاً وامرأة ، تحققت هويتهما الشخصية من أختام منقوشة أنهما ابارجي Abargi و شوباد Shubad .
ومن المحتمل أن يكونا ملك أور وملكتها ، إذ كانا محاطين بحاشية وأتباع ، ومنهم جنود يضعون على رؤوسهم خوذات نحاسية ويحملون حراباً وخناجر ، وسيدات من البلاط يرتدين أفخر ما لديهن من ملابس .
وقد أحضر معه كل من هؤلاء الأتباع كأساً صغيرة بها سم ليشربه ، مؤكداً بذلك أنه سيستمر في خدمة ملكه وملكته في الحياة الأخرى .
وكان في المقبرة أيضاً حيوانات وعربات نقل بضائع ومركبات ضحي بها كذلك لتكون قرباناً عسى أن تدخل هي الأخرى أعتاب العالم الآخر في ظل سيدهم وسيدتهم .
ويشاهد بعض هذه الكنوز التاريخية التي عثر عليها في المقابر الملكية بأور في الغرفة البابلية في المتحف البريطاني بلندن .
مباني الحضارة السومرية ومساكن شعبها
بدو أن الحياة اليومية للسومريين كانت تشبه إلى حد كبير الحياة التي يحياها فلاحو العراق في أيام القرن الماضي . ولا بد أن بلدانهم كانت أيضاً متشابهة .
كانت الشوارع ضيقة غير مستقيمة والطرقات غير مروصوفة ، وكانت البيوت كسائر مثيلاتها في اي بلدة عراقية عصرية صغيرة .
إلا من ناحية المداخل في الحضارة السومرية فقد كانت مقوسة لعدم توافر الخشب الكافي لعمل العتبات ، وكانت الغرف ضيقة .
وكان كل بيت يبنى حول فناء وسيط تفتح عليه أبواب الغرف الأرضية . وكان السلم يؤدي إلى غرف الأسرة في الطابق العلوي .
وكان السومريون فيما بعد يدفنون موتاهم في سراديب تحت الساحة المرصوفة خلف المنزل حيث كان للاسرة كذلك معبد مذبح . وكانت الروابي المرتفعة تطل على البلدة السومرية .
وتعد بمثابة القلعة الأخيرة في خط دفاعها ، كذلك كانت مدينة أولا محصنة بحوائط خارجية وأخرى داخلية تشمل أفنية المعبد . وكانت الرابية محوطة بسور لحماتها يبلغ سمكه 36 قدماً .
وكان المزار الصغير في أعلى مكان من المدينة يستعمل بصفة خاصة في أثناء الاحتفال الكبير الذي يقام لمناسبة رأس السنة الجديدة ولمناسبات موسمية أخرى من بينها ري الأرض ووفرة المحاصيل الزراعية .
أما الاحتفال المثير الذي يبهر الأبصار والذي كان يعد لكهان وقادة الشعب والملك ( الذي يسهم في خدمة إله قومه ) وحاشيته ، فيرقى في أثناء مسيرته الدرج الثلاث لبلوغ قمة برج المعبد .
ومن هذا المطاف السامق يتاح للمحتفلين أن يشاهدوا دخان الضحايا منبعثاً من مزارات بعيدة ، وبعجئذ يهبون الآلهة الضحية التي تطلبها من المخلوقات الحية والتي تقضي بها الطقوس المقدسة .
المصادر
الحضارة السومرية
شاهد أيضاً:
جميع حقوق الملكية الفكرية والنشر محفوظة لموقع غدق www.ghadk.com
“يمنع منعاً باتاً نقل أو نسخ هذا المحتوى تحت طائلة المسائلة القانونية والفكرية”
يمكنكم دعم الموقع عن طريق الاشتراك في صفحة الفيس بوك Facebook وحساب الانستغرام Instagram وحساب تويتر Twitter
للتواصل والاستفسار والدعم التواصل على البريد التالي : ghadak.site@gmail.com
2 تعليقات