التطعيم ومكتشفه إدوارد جينر البريطاني
التطعيم : ليست في بريطانيا اليوم سوى حالات نادرة من الجدري ، حتى لقد أصبحت هذه الكلمة بالنسبة الى الكثيرين مجرد اسم .
ولكن حتى مائتي سنة مضت كان الجدري من أكثر الأمراض إثارة للخوف لدى الأوروبيين بعد الطاعون .
وكان الجدري في أوائل القرن الثامن عشر يقضي على حياة نحو نصف مليون شخص سنوياً في أوروبا إلى جانب آلاف أخرى في آسيا .
وفي بريطانيا كان الجدري يتسبب في وفاة واحدة من بين كل اثنتي عشر وفاة . أما من ينجو من هذا المرض فيظل مشوهاً مدى الحياة بسبب تلك الآثار او الكلوم التي تتركها البثور التي تظهر على جميع أنحاء الوجه والجسم أثناء المرض .
ومن الآثار الأخرى التي تختلف عن الجدري الإصابة بالعمى والصمم ، وكالعادة أن يفقد الفتى حسن الطلعة وتفقد الفتاة جمالها .
إذ يمكنك أن تتصور كيف يبدو الأطفال الذين أصيبوا بـ الحصبة أو الجدري إذا ما تركت كل بقعة غائرة وكنات الجدري معدياً الى درجة كبيرة .
إذ من الممكن أن يصاب الإنسان بالعدوى لمجرد لمسه أي جزء من جسم المريض بالجدري أو حتى ملابسه .
اكتشاف التطعيم
في أواخر القرن الثامن عشر بدأ طبيب ريفي انجليزي في القيام ببحث جديد ومبتكر .
فعندما كان إدوار جينر طالباً يدرس الطب سمع فتاة ريفية تقول ( إنني لن أصاب بالجدري لأنني أصبت من قبل بـ جدري البقر ) .
ونقل جينر هذا الكلام الى صديقه ومعلمه الجراح الكبير جون هنتر الذي تحدث في محاضراته عن هذه العقيدة الريفية ، وهي أن جدري البقر يحصّن الناس ضد الجدري .
وأثناء عمه بالريف ومن خلال أسئلته للمزارعين من أهل المنطقة ، اكتشف جينر أنهم كثيراً ما تنتقل إليهم عدوى هذا المرض الحميد ، جدري البقر ، عن طريق بقراتهم .
وكان الشفاء يتم بالنسبة لهؤلاء المزارعين والفلاحين دون أن يترك المرض ندبات ، كما أن الفتيات اللاتي يعملن بحلب اللبن اشتهرن ببشرتهم الصافية ووجوههن التي لا تشوبهن شائبة ، وكان ذلك أمراً نادراً بين النساء في ذلك الوقت .
واقتنع جينر بأن جدري البقر إن هو إلا نوع من الجدري وأن من يصاب به يصبح محصناً ضد النوع الأكثر خطورة .
وواته الفرصة يوم 14 مايو عام 1796 حين أصابت العدوى يد الفتاة سارة نيلمس ممن يعمل بحلب البقر أثناء عملها ، فقام جينر بسحب السائل أو الطعم اللمفاوي من القرح في يد الفتاة ثم قام بتطعيم فتى سليم الجسم يدعى جيمس فيبس بهذا الطعم اللمفاوي .
وكان هذا أول تطعيم قام به وكان ناجحاً تماماً . فقد تم تطعيم الصبي ضد الجدري وثبتت حصانته لهذا المرض .
إدوارد جينر – Edward Jenner
أثبت جينر أن أول فيروس الطعم في مقدوره أن يعطي حماية كاملة ضد هذا المرض المخيف .
وحتى عام 1798 كان جينر كان قد قام بتطعيم ثلاثة مرضى آخرين ، وكانت النتيجة أن أصبحوا جميعاً محصنين ضد الجدري .
ثم ذهب الى لندن حيث نشر نتائج بحثه ، إذ كان يعلم أن واجبه يقتضي أن يجعل اكتشافه معروفاً على نطاق واسع بين الأطباء والرأي العام البريطاني وفي جميع الدول الأخرى حيث كان الجدري يفتك بأرواح الآلاف من الناس .
وفي لندن لقي جينر تكريماً كبيراً من جانب الأسرة المالكة ومن الدارسين والعلماء والأطباء . ولكنه رغم نجاحه هناك كان يفضل الريف ويؤثره ولذلك رفض عدة عروض مغرية للبقاء .
وسرعان ما عاد الى قريته في جلوسترشاير ليتابع عمله في سلام .
وسائل التطعيم الأولى
لاحظ الناس في العصور القديمة أن من يشفى من مرض الجدري لا يصاب به مرة أخرى .
وقد أدى ذلك الى الاستنتاج بأنه ما دام الشفاء ممكناً في بعض الحالات ، فإن المض قد يوجد بكل مخفف ، ولذا كان من المستحسن أن يصاب المرء بالعدوى عن طريق الاختلاط بالمرضى المصابين به بصورة مخففة ، وبذلك يصبح المرء محصناً ضد المرض بقية حياته ، إذ أن أحداً لا يصاب بمرض الجدري مرتين .
وكان أهل الصين أول من مارس هذا النوع من التحصين في القرن السادس الميلادي ، فكانوا يلبسون أطفالهم ملابس المصابين بالنوع الخفيف من المرض .
وفي أوروبا كانوا يطلقون على طريقة التحصين المعتادة كلمة التطعيم ، وكان الأطباء يأخذون السائل من بثور المصاب بالجدري ثم يغمسون برة في هذا السائل ويشكون بها من يريدون تحصينه .
وقد بدأ إدخال التطعيم في إنجلترا في أوائل القرن الثامن عشر على يد ( ليدي ماري ورتلي مونتاجيو ) زوجة السفير البريطاني في تركيا ، إذ رأت ماري التي شوّه الجدري جمالها ، رأت نساء الأتراك يقمن بتطعيم أطفالهن بإعطائهن الشكل المخفف من المرض وغالباً ما كان يتم شفاؤهم منه .
وتم تطعيم ولدها ذو الست سنوات بنجاح ، فعادت الى إنجلترا وكلها حماس للعلاج الجديد .
ولن سرعان ما تبين الأطباء أن التطعيم ضد الجدري له أخطاره ، فلم يكن المرض الناتج عنه من النوع الخفيف دائماً بل كان مميتاً في بعض الأحيان ، إذ كان يؤدي الى وفاة أربعة على ألأقل من بين كل ثلاثمائة شخص يتم تطعيمهم .
انتشار التطعيم في العالم
بحلول مارس عام 1801 أعلن جينر أنه تم تطعيم مائة ألف شخص على ألقل في بريطانيا وحدها ، وفي لندن انخفضت نسبة الوفيات الى النصف تقريباً بعد أن كان حوالي مائتي ألف شخص يموتون بالجدري سنوياً .
وسرعان ما أرسلت كميات من الطعم اللمفاوي الى بلاد عبر البحار ، وبدأ التطعيم في فيينا وبرلين ، كما امتد حتى وصل الى الهند وأمريكا .
وفي هذه الأخيرة تم تحصين الرئيس جيفرسون وأسرته ضد هذا المرض باستعمال الوسيلة الجديدة ، وحذى حذوهم آلاف من الناس .
وبعد عشرين سنة من إدخال نظام التطعيم ، بدأ التبليغ عن حالات جدري بين أشخاص سبق تطعيمهم .
ولم تحدث هذه الحالات بين الأطفال الذين كانوا في الماضي أكثر الضحايا ، ولكنها حدثت بين البالغين من الشباب الذين تم تطعيمهم في طفولتهم .
ومن ثم تبين أن الحماية ضد الجدري عن طريق التطعيم لا تستمر مدى الحياة ، إذ تتناقص بمرور الوقت ، ولهذا كان من الواجب إعادة التطعيم على فترات إذا أردنا الحصول على حصانة مستمرة .
المصدر
جميع حقوق الملكية الفكرية والنشر محفوظة لموقع غدق www.ghadk.com
“يمنع منعاً باتاً نقل أو نسخ هذا المحتوى تحت طائلة المسائلة القانونية والفكرية”
يمكنكم دعم الموقع عن طريق الاشتراك في صفحة الفيس بوك Facebook وحساب الانستغرام Instagram وحساب تويتر Twitter
للتواصل والاستفسار والدعم التواصل على البريد التالي : ghadak.site@gmail.com