شارلمان ملك الفرنجة المقدس : كان الفرنجة من أول الأجناس البربرية التي نجحت في النفاذ إلى قلب الإمبراطورية الرومانية .
وقد وفدوا من ألمانيا ، وفي عام 358 وجد الإمبراطور الروماني نفسه مضطراً إلى السماح لهم بالاستيطان في الغال Gaul .
وقد ساعدوا الرومانيين بعد ذلك في دحر أجناس بربرية أخرى ، وما لبثوا أن اعتنقوا الديانة المسيحية خلال حكم الملك كلوفيس Clovis ( 481 – 511 ) .
وفي عام 732 صدوا زحف المسلمين وتوغلهم في أوروبا على يد شارل مارتل Charles Martel ( جد شارلمان ) في موقعة بلاط الشهداء Bataille de Poitiers .
وكان يطلق على ملوك الفرنجة الأوائل لقب الميروفنجيين Merovingians ، ولكنهم كملوك أصبحوا ضعفاء إلى درجة كبيرة فانتقلت سلطاتهم إلى رؤساء وزرائهم الذين كان يطلق عليهم محافظو القصر .
وقد نجح أحد هؤلاء المحافظين ، ويدعى بيبين القصير Pepin في خلع آخر ملك ميروفنجي واستولى على العرش في عام 751 .
وكان أكبر أولاده يدعى شارل ( أطلق عليه مؤخراً العظيم ، ومن ثم جاءت التسمية شارلمان ) .
تاريخ شارلمان ملك الفرنجة
بعد وفاة بيبين عام 768 كان على شارلمان أن يقتسم الملك مع أخيه كارلومان ، وذلك حسب تقليد الفرنجة ، ولكن ما لبث أن توفي كارلومان وبذلك أصبح شارلمان الحاكم الوحيد .
وكان شارلمان مقتدراً وذا طاقة متفجرة وقد أصبح واحداً من أعظم الحكام في التاريخ .
وعندما استولى شارلمان على مقاليد الحكم ، كانت مملكة الفرنجة تضم الغال كلها ، والأراضي الواطئة وأجزاء من ألمانيا الغربية .
وقد ضاعف شارلمان ملك الفرنجة من امتدادها ، وكان مسيحياً متحمساً يؤمن أن من واجبه تحويل جيرانه من الوثنية إلى المسيحية .
وفي عام 773 توجه على رأس جيش إلى غيطاليا وحارب اللومبارديين الذين كانوا يهددون سلطة البابا .
كذلك ذهب شارلمان لمحاربة الساكسونيين ، وهم أمة قوية تمكن أفرادها قبل ذلك بثلاثمائة سنة من فتح أجزاء كبيرة من بريطانيا .
وكان هؤلاء الساكسونيون في ألمانيا ما زالوا على الوثنية يعبدون فودن Woden وغيره من الآلهة .
وقد احتاج الفرنجة إلى عشرين سنة لكبح جماح الساكسونيين وتحويلهم إلى دين المسيحية .
ولم يكن شارلمان يؤمن بالحجة وضرب الأمثال كطرق الهدايا ، بل كان يفضل طريق القوة ، ويبدو أن وسائله قد حققت نجاحاً كبيراً .
وكان عليه أيضاً أن يحارب المسلمين . وهم الذين احتفظوا بإسبانيا ، وكانوا قبل ذلك في القرن الثامن الميلادي على وشك أن يفتحوا بلاد الغال .
وهنا أيضاً حالف النجاح شارلمان ، حيث تمكن من اقتطاع جزء من شمال إسبانيا منهم .
وثمة حدث مشهور في هذه الحملات قد سجل في ( أغنية رولاند ) وهي التي وضعت كلماتها في فرنسا في القرن الثاني عشر .
وفي خلال عام 800 كانت فتوحات شارلمان قد هيأت له إمبراطورية كبيرة . تنضح أبعادها من واقع الخريطة . وفي تلك السنة ذهب مرة أخرى إلى إيطاليا .
وفي يوم عيد الميلاد في كاتدرائية سان بيتر بروما ، نصبه البابا ليو الثالث إمبراطوراً . وقد قال شارلمان بعد ذلك إنه لم يكن يعلم شيئاً عما اعتزمه البابا .
بيد أن ذلك أمر يصعب تصديقه . وعلى اية حال ، فقد تم أمر هذا التتويج وبزغت إمبراطورية جديدة أطلق عليها فيما بعد الإمبراطورية الرومانية المقدسة .
وكان شارلمان ملك الفرنجة لا يستطيع الكتابة حتى تقدمت به السن ، وكان توقيعه المعتاد تلك الشارة الموضحة في الصورة التالية :
ولكنه كان يؤمن إيماناً شديداً بقيمة التعليم ، وعلى الأخص بالنسبة لرجاله الرسميين . وقد عيّن عالماً مشهوراً من شمال انجلترا يدعى Alcuin of York ليصبح مديراً لمدرسة القصر .
أسس شارلمان ملك الفرنجة عاصمة ملكه في Aix la Chapelle ( حالياً تدعى آخن في ألمانيا ) وقد أمر بإنشاء قصر هناك على غرار قصر اللاتيران البابوي في روما .
وفي هذا القصر أقام كنيسة بلاطينية مشابهة لكنيسة سان فيتال San Vitale الموجودة في رافينا Ravenna .
وكان هناك 12 حارساً يطلق عليهم البلادينيون Paladins أو نبلاء القصر يعيشون معه كحرس خاص . وكان ابن أخت الإمبراطور ، الكونت أورلاندو ، واحداً من أشجع هؤلاء الحراس .
وكان شارلمان يضع خاتماً على كل الوثائق التي يعتمدها ، وفي بعض الأحيان كان يستخدم جوهرة بيضاوية محفور بها رأس الإمبراطور وكتفاه وتحمل هذه الكلمات :
( أيها المسيح ، احم شارل ملك الفرنجة )
وأحياناً أخرى كان يستخدم خاتماً بيضاوياً عليه رأس جوبيتر كبير آلهة الرومان ، ودون أي شعار .
توفي شارلمان في إكس عام 814 ، بعد أن حكم لمدة 43 عاماً كملك منفرد ، ودفن في الكنيسة البلاطينية والإنجيل في يديه والتاج الذهبي على رأسه ولف جثمانه بالرداء الإمبراطوري وقد حنطت جثته .
وبعد وفاة شارلمان ملك الفرنجة تصدعت إمبراطوريته وحلت فترة من الحروب المستمرة ، وانسلخت عنها كل من فرنسا الحديثة وألمانيا الحديثة .
وقد نبعت فرنسا من مملكة الفرنجة الغربيين ، واصبحت لغة أهلها لاتينية أكثر منها ألمانية ( أو كما نسميها رومانسية ) .
أما الفرنجة الشرقيون ، والتي تحولت إلى ألمانيا الحديثة ، فقد احتفظ أهلها بلغة تقارب ما كان يتحدث به أجدادهم الأوائل في قبائلهم .
المصدر
شارلمان ملك الفرنجة المقدس – اعتمد هذا المقال على مصادر تاريخية كثيرة
جميع حقوق الملكية الفكرية والنشر محفوظة لموقع غدق www.ghadk.com
“يمنع منعاً باتاً نقل أو نسخ هذا المحتوى تحت طائلة المسائلة القانونية والفكرية”
يمكنكم دعم الموقع عن طريق الاشتراك في صفحة الفيس بوك Facebook وحساب الانستغرام Instagram وحساب تويتر Twitter
للتواصل والاستفسار والدعم التواصل على البريد التالي : ghadak.site@gmail.com
2 تعليقات