أزمة المياه العذبة وتهديد مستقبل الأرض
المياه العذبة ، كل الكائنات التي تعيش على اليابسة، سواء حيوانات أو نباتات، تعتمد عليها . مع ذلك ، 1% منها فحسب في متناول اليد.
فمثلاً صحراء وسط أستراليا من أكثر الأماكن حرارةً وجفافاً على الأرض، ولا يمكن لشيء أن يعيش هناك لوقت طويل.
لكن مرة كل عشر سنوات تتحوّل تلك الصحراء الشاسعة الخاوية، ولكي يحدث ذلك لا بدّ من حدوث تفاعل متسلسل.
المياه العذبة في الصحراء
على بعد ألفي كيلومتر شمالاً، في كل عام ، هناك سحب الرياح الموسمية المثقلة بالأمطار تبدأ بالتشكّل، وفي النهاية تنهمر الأمطار وتبدأ العمليّة.
فتمتلئ فجأة مجاري الأنهار الجافّة منذ سنوات وتمتزج التيّارات وتتسابق إلى داخل الأرض الأكثر انخفاضاً في القارّة، فتفيض فوق الصحراء وتصنع أكبر بحيرة في أستراليا ألا وهي بحيرة إيري.
مما يجعل عدداً هائلاً من السمك يسبح في هذه الممرّات المائية الواسعة وإلى داخل البحيرة النامية، ويصل البجع من السواحل الأسترالية، من على بعد مئات الكيلومترات.
سيرى الكثير من تلك الطيور البحيرة تمتلئ لمرة واحدة في حياتها كلها، فكيف تعرف أن البحيرة تشكّلت؟ ومن أي اتّجاه يمكنها الوصول إليها؟
تحتوي هذه المياه الجديدة على الكثير من الطعام فتبدأ الطيور في التكاثر، ويتغذّى البجع بكميات كبيرة كي تنمو الصيصان بسرعة لأن عليها أن تكون قويّةً بما يكفي لترحل في خلال أسابيع.
ولكن الوقت قصير، لأن الأبوين سيتمكّنان من إيجاد الطعام في وجود المياه، ومن ثم تنطلق طيور البجع الصغيرة في أول رحلة طويلة لها.
ستكون رحلةً مجهدةً إلى الساحل، فأقرب ساحل على بعد 500 كيلومتر. لكن ستجفّ البحيرة قريباً، وقد لا يعود الماء إلى هنا قبل عقد آخر.
هذا التحوّل من الازدهار إلى القحل هو حدث استثنائي. ولكن في كل مكان، إن توفّر المياه العذبة يصبح غير متوقّع وغير مؤكّد بشكل متزايد.
المياه العذبة المتجمدة
معظم المياه كوكبنا العذبة محتجزة. فحوالي ثلثي المياه العذبة متجمّدة حول القطبين. حيث تبلغ سماكة الجليد بضعة كيلومترات، وربما هو موجود هناك منذ ملايين السنين.
في كل صيف يذوب البعض منه ويشق طريقه إلى قلب الأنهار الجليدية. ليصنع كهوف عظيمة جميلة ورومانسية، ولكنها أيضاً أماكن خطرة، لأن الأنهار الجليدية تتحرّك دائماً.
حتى بعيداً عن القطبين، معظم المياه العذبة في اليابسة تتجمّد كل شتاء. ولكن حين يحلّ الربيع، يذوب هذا الخزّان المائي الثلجي الضخم .
وتبدأ رحلة جريان رائعة على المنحدرات الجبلية الشاهقة فتجمع المياه الباردة مكوّناً يعطي الحياة ألا وهو الأكسجين.
المياه العذبة في أنهار أمريكا الجنوبية
على ضفاف أنهار الأنديز في أمريكا الجنوبية، تُوجد حياة للكائنات التي تستطيع تحمّل التيّارات القوية. مثل بطّ السيل .
روافد النهر العليا الباردة قد تكون غنيّة بالأكسجين، ولكنها تحتوي على مغذّيات قليلة. فيجمع بطّ السيل الطعام القليل المتوفّر من تحت السطح.
يرقات ذباب الحجر وذباب مايو تمتلك خياشيم تسمح لها باستخلاص الأكسجين من الماء. وأجسادها المسطّحة تقاوم قوّة التيّار الشديدة.
أما يرقات البعوضة السوداء، إحدى فرائس البطّ المفضّلة، ترشّح أفواهها المتخصّصة جزيئات الطعام الدقيقة التي تمرّ سريعاً بها.
ولديها خطّافات في الطرف الخلفي تثبّتها بالصخور، ولكن أحياناً يكون التيّار لا يُقاوم.
في كل عام، يأتي زوّار إلى تلك المياه المندفعة الغنيّة بالأكسجين، إنها أسماك السلمون التي قضت معظم حياتها في المحيط الهادئ. لكن بعد نضوجها تعود إلى أنهار معيّنة في أمريكا الشمالية حيث ستضع بيضها.
يمتلك السلمون قدرةً مدهشةً على القفز إلى أعلى الشلالات، ولكن حتى أسماك السلمون، من دون مساعدة، لا يمكنها عبور السدود التي بنيناها.
اليوم، أعداد أسماك سلمون المحيط الهادئ أقلّ من 1% من العدد الذي كانت عليه، وهذا يسبّب مشكلات للكثير من الحيوانات الأخرى كدببة ألاسكا البنّيّة التي تنتظرها عند الشلالات.
من دون هذه الأسماك، لا تستطيع الدببة بناء مخزون الدهون الذي تحتاج إليه لتغذية نفسها عبر السبات الشتوي الطويل.
تصبح هناك منافسة شرسة على أفضل مواقع الصيد. فحيثما تتدفّق المياه على الصخور الصلبة، تجمع القليل من المغذّيات، وبالتالي، نباتات قليلة تنمو عليها.
ولكن في أمريكا الجنوبية، يتمكّن نبات مكارينيا من الازدهار لبضعة أشهر من كل عام، وحين ينخفض منسوب المياه بما يكفي لتصل أشعة الشمس إلى القاع.
يزهر نبات مكارينيا بشدّة في نهر كانيو كريستاليس، نهر كولومبيا الملوّن. ولكن أحياناً تختفي المياه تحت الأرض، بعيداً عن متناول الضوء، حيث لا تستطيع النباتات الحياة.
المياه العذبة الجوفية في فلوريدا
حوالى 30% من مياه الكوكب العذبة تكمن تحت سطح اليابسة، إما داخل مادّة الصخر المسامي، أو على هيئة بحيرات وأنهار تحت الأرض في كهوف.
ولكن حيث تصل المياه إلى السطح، تكون مليئةً بالحياة والسمك الوفير وكذلك آكلو السمك، ثعالب الماء.
في كل أنحاء ولاية فلوريدا، تتدفّق المياه العذبة إلى السطح من أكبر تجمّع للينابيع على الأرض، فتغذّي الأنهار والبرك التي تزدهر فيها كل أنواع الحياة، بما فيها أحد حيوانات فلوريدا المميّزة خروف البحر.
يقضي الكثير منها الصيف في البحر، ولكن حين يقترب الشتاء، تسبح إلى أعالي الأنهار، والتي تكون دافئةً نسبياً وهناك ترعى على عدد وفير من نباتات المياه العذبة.
ولكن يأخذ البشر الآن الكثير من المياه من هذه الينابيع، ويلوّثون ينابيع أخرى، حتى أن خروف البحر يفقد موطنه الشتوي.
مياه الأنهار العذبة في أوروبا
الأنهار لكونها ضحلة نسبياً، تدفأ بسرعة، وفي الربيع، عبر أوروبا، يتسبّب ارتفاع درجات الحرارة في ازدهار مفاجئ للحياة.
على ضفاف نهر تيسا في المجر، تبدأ ذبابة مايو العملاقة في الظهور، إذ عاشت طوال 3 سنوات تحت الماء كيرقة، لكن في 3 ساعات فقط، يتراقص الملايين من الذباب المجنّح البالغ وتتكاثر قبل أن تموت.
هذا المشهد المدهش كان فيما مضى شائعاً في أوروبا الشرقية، ولكن أنهاراً كثيرة الآن لها ضفاف مثبّتة وملوّثة بشدّة، مما أدى إلى اختفاء ذبابة مايو بشكل كبير.
ولكن حين تكون الأنهار نظيفةً، سرعان ما تعود الحياة البرّيّة.
إيغواسو، على الحدود بين البرازيل والأرجنتين. هذه أضخم شلّالات على الكوكب. حيث تندفع آلاف الأطنان من المياه العذبة من فوقها في كل ثانية.
تأتي معظم مياه إيغواسو من غابة الأمازون المطيرة، على بعد ألف كيلومتر، وهناك ترتفع المياه كبخار ماء من سطح ظلّة الدغل.
يمكن لشجرة واحدة أن تطلق ألف لتر يومياً. ومع ارتفاع بخار الماء إلى السماء، يتكثّف ويتحوّل إلى سحب.
السحب ومياهها العذبة
إن 20 مليار طن من الماء تترك الغابة كل يوم، وأكثر من المياه التي ترتحل في نهر الأمازون نفسه. وإن تعرّضت الغابة المطيرة للتدمير، ستنتهي هذه الدائرة المانحة للحياة.
ومع ارتحال السحب عبر القارّة، تهطل مياهها لتروي الأراضي الزراعية والغابة على حدّ سواء.
وفي سهول البرازيل، تخلق أكبر أراض رطبة استوائية على الأرض، بانتانال، ولكن في كل عام، تقلّص التغيّرات الموسمية من تدفّق النهر، وتتقلّص بانتانال إلى قنوات نهرية قليلة.
وفي موسم الجفاف، قد تصبح ضفّتا النهر مزدحمتين بالحيوانات البرية.
المياه العذبة في البحيرات
أحياناً، تعترض البحيرات رحلة النهر إلى المصبّ، مثل بحيرة تنجانيقا التي تحتوي على مياه أكثر 40 مرة من كل أنهار العالم مجتمعةً.
بحيرة تنجانيقا في أفريقيا تحتوي تقريباً على خمس المياه العذبة التي يمكن الوصول عليها على الأرض. ولكن، بالرغم من حجمها الضخم، فبحيرة تنجانيقا ليست بها كائنات كثيرة.
يصل عمقها إلى كيلومتر ونصف تقريباً، ولكن في القاع لا تتحرّك المياه ولا يُوجد أكسجين. وقرب السطح فحسب، في أعلى 150 متراً، تحتوي المياه على أكسجين كاف لتتواجد الحياة.
فيتواجد 250 نوعاً من الأسماك البلطية هناك، ومعظمها لا وجود له في أي مكان آخر. حيث المنافسة شديدة في هذه المياه المزدحمة.
الإمبراطور، أكبر الأسماك البلطية في تنجانيقا. يصل طولها إلى متر تقريباً، ويجب أن تربّي الأنثى صغارها في مكان مفتوح.
لذا فإن حمايتها عمل بدوام كامل لكلا الأبوين. حيث مستقبل هذه الأسماك غير مؤكّد. فمع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، تزداد حرارة بحيرة تنجانيقا.
لم تعد مياهها تختلط بشكل جيد كما كانت في ما مضى، لذا الطبقة العليا المؤكسجة تتقلّص.
فيضان نهر ميكونغ
أما نهر ميكونغ في جنوب شرق آسيا فيصل طوله إلى 4 آلاف كيلومتر، ويحتوي على أعرض الشلّالات على الإطلاق.
واليوم، أكثر من 60 مليون شخص يعتمدون عليه لمعيشتهم. وحيث تتسبّب الأمطار الموسمية في هطول كمّيّة ضخمة من المياه حتى أن الشلالات نفسها تكاد تختفي.
المياه مليئة بالرواسب ومجمّعة خلال رحلة ميكونغ الطويلة من هضبة التبت حتى قبل الفيضان، فقد كانت المياه تغطّي مساحةً شاسعةً من الأرض.
والجذور المكشوفة للأشجار دليل على الارتفاع الهائل الذي سيحدث لمنسوب المياه حين يصل الفيضان الرئيسي، وتُغمر الأشجار حتى فروعها.
لبضعة أشهر، تخلق مياه الفيضان أكبر منطقة تكاثر في الكوكب لأسماك المياه العذبة. إذ يمتلك حلّاً استثنائياً لمشاكل العيش في المياه الضحلة قليلة الأكسجين.
فالسمك السيامي المقاتل يتنفّس بتجرّع الهواء من سطح الماء، وفي أثناء موسم التكاثر يستخدم الذكر تلك القدرة لبناء طوف من الفقاقيع فيعمل يوماً بعد يوم.
تصعد أنثى منتظرة على مقربة للتأكّد من سلامة الطوف، ثم يلفّان بعضهما حول أحدهما الآخر في عناق رقيق يشجّعها على وضع بيوضها.
وبينما تغوص إلى الأسفل، يخصّب الذكرالبيوض ثم يجمعانها بحرص، ويضعانها الواحدة تلو الأخرى في عشّ الفقاقيع.
الأكسجين نادر في تلك المياه الراكدة، ولكن ستحصل البويضات على أكسجين كاف من الفقاقيع لكي تنمو.
لم تحصل ذروة الفيضان بعد، لكن في النهاية تندفع مياه كثيرة في ميكونغ حتى أن بحيرة تونلي ساب تتوسّع 5 أضعاف مساحتها في موسم الجفاف. فتسبح أعداد ضخمة من الأسماك الآن إلى مستجمع المياه الجديد.
طوال ألف عام حصد الناس هذا الحدث الموسمي. حيث يضعون الشباك عبر نصف النهر، تاركين النصف الآخر مفتوحاً لتسبح بقيّة الأسماك وتتكاثر.
في الواقع، يدعم نهر ميكونغ أكبر موقع داخلي لصيد الأسماك في العالم. إذ أن خمس أسماك المياه العذبة التي يصطادها الناس حول العالم تأتي من نظام هذا النهر.
ولكن مستقبل نهر ميكونغ، مثل الكثير من الأنهار حول العالم، في خطر متزايد. لقد غيّرنا التدفّق الطبيعي لأكثر من ثلثي أطول الأنهار في الكوكب ببناء السدود عليها وبطرق أخرى.
لذا الآن، توقّفت أنهار كثيرة عبر العالم عن التدفّق.
البحث عن المياه العذبة في افريقيا
في شرق أفريقيا، في رواها تنزانيا، تبحث الفيلة عن مياه. إذ يحتاج كل منها إلى شرب 200 لتر يومياً، ولا يبدو أنه تُوجد مياه هناك.
ولكن الفيلة تعرف أن خشب الباوباب يحتوي على الكثير من الرطوبة. وفي حالة الطوارئ، تأكله بكمّيات ضخمة.
تحتاج الأسود إلى ماء أيضاً. وبطريقة ملائمة للأسود، تجتمع فرائسها عند المياه. لذا، تتّجه الحيوانات المفترسة والفرائس إلى الأنهار.
قبل 30 عاماً، لم تجفّ الأنهار في ذلك الجزء من أفريقيا قط. لكن الآن الزراعة في أعلى النهر تأخذ كمّيّات كبيرة، وفي أثناء موسم الجفاف تتقلّص الأنهار إلى برك منعزلة.
تعتمد أفراس النهر على المياه المتدفّقة لإبقائها باردة في أثناء النهار، ولكن الآن عليها الاكتفاء بالوحل. ومع انخفاض منسوب المياه أكثر، يكتظّ المكان بها فتبدأ الشجارات.
في كل يوم، تتقلّص البرك الوحلية أكثر فأكثر، وتسوء محنة أفراس النهر. كذلك الجاموس الوحشي، في بحث ملحّ عن المياه.
بوجود الأسود هناك بالفعل عند حفرة المياه، والجاموس الوحشي مدفوع باحتياجه اليائس إلى الماء العذب الذي يحتاج إلى شربه يومياً، تشكل كل رشفة مياه خطراً.
ولكن الجاموس الوحشي لا يملك خياراً، ومع استمرار الجفاف يُصاب الجاموس الوحشي بالضعف فتتغيّر الاحتمالات لصالح الأسود.
تستطيع الفيلة إيجاد المياه حيث لا يستطيع الآخرون، فتستخدم خراطيمها للحفر في رمال قاع النهر، مستخدمة حاسّة الشمّ المذهلة التي تمكّنها من اكتشاف الماء قرب السطح.
لطالما كانت مصاعب موسم الجفاف جزءاً من الحياة في سهول شرق أفريقيا، ولكن مع ارتفاع حرارة الكوكب، ونحن أنفسنا نأخذ الكثير من المياه لأغراضنا الشخصية، يزداد معدّل الجفاف وحدّته.
حماية المياه العذبة والبيئة
في كل عام تصل طيور الكركي الكندي أثناء رحلتها شمالاً عبر أمريكا الى نهر بلات في نبراسكا في الهجرات العظيمة التي تقوم بها الحيوانات، فهناك إحدى محطّاتها المهمّة.
في ما مضى، كان النهر يفيض في المرعى على مسافة كيلومتر ونصف في كل الاتّجاهات. وكان هذا مكاناً مثالياً لها لتتغذّى وتستريح.
الآن، بنينا سدّاً على النهر وأخذنا الكثير من مياهه لاستعمالنا الشخصي حتى أنه لم تتبقّ مساحة لطيور الكركي.
لكن حماة البيئة الآن يديرون تدفّق النهر بطريقة تسمح بتشكّل الضفاف الرملية التي تحتاج إليها طيور الكركي.
لسنا وحدنا في احتياجنا إلى الماء، ولكن لدينا القدرة على التأكّد من تدفّق المياه العذبة في العالم، ونحن وحدنا يمكننا تحديد كيف تتمّ مشاركتها.
المصدر
عظمة البحار والمحيطات إعداد : نسيبة علي
شاهد أيضاً:
حقائق ومعلومات عن عظمة البحار والمحيطات
المناطق القطبية التأثير المناخي عليها
جميع حقوق الملكية الفكرية والنشر محفوظة لموقع غدق www.ghadk.com
“يمنع منعاً باتاً نقل أو نسخ هذا المحتوى تحت طائلة المسائلة القانونية والفكرية”
يمكنكم دعم الموقع عن طريق الاشتراك في صفحة الفيس بوك Facebook وحساب الانستغرام Instagram وحساب تويتر Twitter
للتواصل والاستفسار والدعم التواصل على البريد التالي : ghadak.site@gmail.com