أبو الطيب المتنبي قوة كلمته وصفاته
أبو الطيب المتنبي صاحب الكبرياء والشجاعة والطموح ، المحب للمغامرات ، المتنبي شعره يعتز بالعروبة ، الفخور بنفسه ، تميز شعره بالحكمة والفلسفة ووصف المعارك.
قضائده تميزت بصياغة قوية محكمة ، شاعراً مبدعاً عملاقاً ، كان غزير الإنتاج يعد بحق مفخرة الأدب العربي .
أبو الطيب المتنبي
أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي أبو الطيب المتنبي .
ولد بالكوفة سنة 303 هجري 915 ميلادي في محلة تسمى كندة وترجع إليها نسبته ، وتوفي سنة 354 هجري 965 ميلادي ، نشأ بالشام ، ثم انتقل إلى البادية يطلب فيها الأدب وعلم اللغة العربية .
الشاعر الحكيم المفاخر بالأدب العربي ، وله الكثير من الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكرة.
لم لا يُغاث الشعر وهو يصيحُ ويُرى منار الحق وهو يلوحُ
يا عصبة مخلوقة من ظلمة ضمُّوا جوانبكم فإني يُوح
وإذا فشا طغيان عادٍ فيكم فتأملوا وجهي فإني الريح
يا ناحتي الأشعار من آباطلهم فالشعر يُنشدُ والصُنانُ يفوح
أنا من علمتم بصبصوا أو فانبحوا فالكلب في إثر الهزبر نَبوح
لكمُ الأمان من الهجاء فإنه فيمن به يُهجَى الهجاء مديح
ويدٌ لكم تِركان ثوبي إنه من بعد سرق قصائدي مربوح
أبو الطيب المتنبي كلماته التي تأبى أن تموت على مر الزمان ، كلماته البليغة التي لها أثرها المباشر على المتلقي.
وعلى كل عاشق للغة العربية ، سوف يدرك مدى التأثير العميق الذي تحدثه الكلمة في الشعوب إن أتقن الشاعر نظم قصيدته.
قوة كلمات أبو الطيب المتنبي
شاعرُ شغل عقول الناس في زمانه وحتى زماننا هذا ، المتنبي عَرف أثر الكلمة وكيف يجب أن تنتشر بين الناس .
أَلا لا أَرى الأَحداثَ حَمداً وَلا ذَمّا فَما بَطشُها جَهلاً وَلا كَفُّها حِلما
إِلى مِثلِ ما كانَ الفَتى مَرجِعُ الفَتى يَعودُ كَما أُبدي وَيُكري كَما أَرمى
لَكِ اللَهُ مِن مَفجوعَةٍ بِحَبيبِها قَتيلَةِ شَوقٍ غَيرِ مُلحِقِها وَصما
أَحِنُّ إِلى الكَأسِ الَّتي شَرِبَت بِها وَأَهوى لِمَثواها التُرابَ وَما ضَمّا
شعر المتنبي تناقله الناس بحيث لم ينقطع منذ زمانه ولا يزال حتى يومنا هذا يتناقله الناس .
أكبر شعراء العربية
الطيب أحمد بن حسين هذا اسمه لم يكن اسمه المتنبي . . كيف أصبح اسمه المتنبي ؟
هو أكبر شعراء العربية نادرةُ زمانه ، أعجوبةُ عصره كما كانوا يطلقون عليه إمبراطور الشعراء .
كان يتكسب بالمدح والشعر ، يمدح الملوك والخلفاء والأمراء فيعطونه العطايا ، كان دائماً يحاول إثبات ذاته بأنه ليس من الطبقة العادية ، طغى الغرور في كل حياته حتى مماته .
تعلم العربية منذ صغره وقال الشعر وعمره تسع سنوات ، كان ذكياً مشهوراً بحدة ذكائه ، سافر وارتحل إلى البادية وعاش في البادية ، والسبب أن القبائل البدوية في ذلك الوقت كانت فصيحة فصاحة كاملة.
لم يتأثر بالمدن ، فعاش بينهم حتى أتقن اللغة العربية تماماً ..
قيل أنه أدعى النبوة .. وقيل أنه اتبعه مجموعة من الناس من البدو ، فخرج إليه ” لؤلؤ أمير حمص ” فقبض عليه وسجنه في عام 321 هجري .
وعندما طال مدة سجنه أرسل قصيدة يستعطف بها الأمير الذي سجنه، وأخرجه الأمير من السجن ، وعندما خرج التصق به لقب أنه تنبأ أو إدعى النبوة فسمي المتنبي ، واشتهر اسمه أنه ” المتنبي أي مدعي النبوة “.
تعد هذه الرواية ليست ثابتة عليه ، ولكن الثابت عنه أنه كان ذو طموح كبير .
كان طموحه سبب شقائه وجعله يلتصق بالحكام والأمراء ، فبدأ مسافراً بين بلاط هؤلاء الحكام والأمراء.
وكانت أخلاقه تترفع عن أهل عصره على ما فيها من فسوق وتهافت على الشهوات، ولذلك سيرته خالية من أي خمر أو نساء أو فساد ولم يعرف عنه ذلك.
صدرت أشعاره بالتتالي بدون توقف ، وكانت كل قصيدة أجمل من الأخرى .
يضم ديوان المتنبي أكثر من خمسة آلاف بيت شعر ، ويضم أكثر من ثلاثمائة قصيدة .
لم يظفر ديوان شاعر لا في القديم ولا في الحديث كما ظفر به ديوان المتنبي من العناية والحفظ والشعر والدراسة ، يذكرأنه يوجد أكثر من أربعين شرحاً مختلفاً لديوان المتنبي .
المتنبي وسيف الدولة الحمداني
عُرف عن أبو الطيب المتنبي أنه لا يجارى في الشعر.
يروى أنه ذات مرة دخل على الوزير ابن الفرات وعنده مجموعة من العلماء والشعراء والفضلاء ، ومن بينهم كان الشاعر البليغ أبو علي الآمدي اللغوي .
فقال له :
يا أبا الطيب هذا أبو علي الآمدي ..
فقال المتنبي :
لا أعرفه ..
كان المتنبي به غرورٌ شديد ، طبعاً هذا الأمر أزعج أبو علي الآمدي ، ثم أنشد المتنبي من شعره قائلاً :
إنّمَا التّهْنِئَاتُ لِلأكْفَاءِ ولمَنْ يَدَّني مِنَ البُعَدَاءِ
فقال الآمدي :
كيف جمعت تهنئة لتهنئات ، هي مصدر والمصادر لا تجمع يا أبا الطيب .
فقال أبو الطيب المتنبي :
هل هذا مسلم !
فقيل :
سبحان الله هذا أبو علي الآمدي أستاذ اللغة تقول فيه مثل هذا القول ؟
قال المتنبي :
ألا يُصلي ؟ .. ألا يقرأ في الصلاة التحيات لله ؟ والتحيات جمع تحية ، والتهنئات جمع تهنئة ..
فصمت جميع من في المجلس ..
عندما زادت شهرته كان يتمناه الملوك ويطلبونه كي يكون معهم في مجالسهم ، بحيث لم يكن هناك إعلام في ذلك الوقت ، الإعلام كان الشعر .
استدعاه سيف الدولة الحمداني إلى حلب ، فلما توجه أبو الطيب المتنبي إلى حلب ، فكان سيف الدولة يقاتل الروم ويصدهم ، وبقد استولى على معظم أراضي الشام وأخرجهم منها .
بحيث وصلت شهرة سيف الدولة الحمداني الأرجاء كلها كما قيل عنه .
المتنبي شاعر سيف الدولة
احتاج سيف الدولة لشاعر بشهرة أبو الطيب المتنبي ليصور له البطولات التي حققها ن لأن الأمة في ذلك الوقت كانت تحتاج لنهضة من جديد .
فوجد سيف الدولة بغيته في الشاعر المتنبي ، وفعلاً كتب المتنبي أجمل أشعاره في ديوان خاص سمي ” سيفيات المتنبي ” نسبةً لسيف الدولة الحمداني .
لم يكن سيف الدولة الحمداني يبخل على شاعره بالعطايا ، فكان يعطيه ما يقدر عليه ، ولكن لصغر مملكة الحمداني كانت الأعطيات قليلة نوعاً ما .
سيف الدولة الحمداني كان سعيداً جداً بشعر المتنبي ، بحيث لم يعرف ويشتهر سيف الدولة الحمداني إلا من أشعار المتنبي .
نعم ، كان يعطيه ولكن عطاءه قليل بسبب صغر مملكته ، والمتنبي لم يكفيه ذلك بحيث كان طموحه أعلى من ذلك بحيث طلب المنصب والمال الكثير .
فجعله هذا الأمر يغادر بلاط سيف الدولة الحمداني ويشد رحاله من جديد إلى وجهةٍ أخرى .
المتنبي وكافور الإخشيدي
توجه أبو الطيب المتنبي إلى الدولة الإخشيدية في مصر التي كان يحكمها ” أبو المسك كافور الأخشيدي ” في ذلك الوقت ، لعله يحوز على منصب أو أموال كثيرة .
كافور الإخشيدي كان داهيةً بارعاً ، عرف مقصد المتنبي وسبب قدومه ، بحيث علم أن مقصده ليست الأموال فقط ، بل عرف أن المتنبي أراد منه أن يقلده المناصب أو أن يجعله رئيساً للوزراء .
كافور الإخشيدي لم يرد طرد المتنبي لكي لا يقوم بهجيه أو ذمه في شعره لأن في ذلك الوقت كان الشاعر يعد وسيلة إعلامية ، فهو الوسيلة الإعلامية في ذلك الزمان .
وفي نفس القوت لا يستطيع إعطائه مناصب عالية ، لأنه لا يستحقها في نظره ، فجعله يتأرجح بين اليأس والأمل ، وفي هذه المرحلة تمثل المتنبي بديوان شعر عرف باسم ” الكافوريات “.
فلما يأس ، كتب قصيدة يهجو بها كافور وفر من مصر هارباً بعد أن كتب قصيدته في حق كافور, رغم أن كافور لم يكن يستحق ذلك, مع أنه كان سياسياً محنكاً كريماً, فالناس لا تعرف عنه إلا من شعر المتنبي.
خورشيد كان أسود شديد السواد ، المتنبي كان يمدح خورشيد مدحاً شديداً ، ومن مما قال في مدحه التالي :
أبا كل طيبٍ لا أبا المسك وحده وكل سحابٍ لا أخص الغواديا
إذا كسبُ الناس المعالي بالندى فإنك تعطي في نداكَ المعاليا
مع ذلك هنا فإن المتنبي لعب دور إعلامياً ، إعلام فاسد بث الأراجيف والأكاذيب ، فأصبح لا يعرف عن كافور إلا الشيء السيء بسبب القصيدة التي كتبها المتنبي يهجوه فيها ويقول :
العبد ليس لحرٍ صالحٍ بأخٍ لو أنه في ثياب الحرِ مولودُ
لا تشتري العبد إلا والعصا معه إن العبيد أنجاسٌ مناكيدُ
ما كنتُ أحسبني أبقى إلى زمنٍ يسيء بي كلبٌ وهو محمودُ
الصراع على المصالح والمبادئ في الشعر
إن قصة الصراع على المصالح والمبادئ قصة تتكرر في كل زمان وفي كل مكان ..
هناك بعض الأقلام تمتلك صوت عالي في هذه المجالات ليس حباً في الإصلاح ولكن فقط لتلفت أنظار السلطة أنها تستحق بعضاً من المن والسلوى التي بحوزة السلطة.
فإذا قبضوا ثمن سكوتهم ، ركنوا وسكتوا عن الإصلاح وزينوا الأوضاع القائمة ، وانتظروا وأبشروا بما سيأتي ، ويسكتون عن كل البلاء الموجود .
إنه ثالوث المال والإعلام والاستبداد . .
إذا اجتمع هذا الثالوث فإن الضحية هي الحقيقة ، حيث يصل الاستبداد مداه حتى تصبح الجماهير تصفق لمن يقودها نحو الهاوية.
الخطر الإعلامي كان يشكل أعلى درجاته في شخصية أبو الطيب المتنبي . .
كان هناك شعراء كثر في زمن المتنبي ، وكل شاعر إما يمثل قناة فضائية أو وسيلة إعلامية أو جريدة .
أما المتنبي وحده فكان شبكة من القنوات الإخبارية والإعلامية والجرائد متمثلة في شخصه ، قصيدة من المتنبي أو بيت واحد من الشعر يهز العالم العربي كله.
أبو الطيب المتنبي يعد شخصية نرجسية ، وتبين في شعره هذا الغرور والتعالي والإعجاب بالنفس بشكل مبالغ فيه .
ألم تسمعوا قوله :
أيما محلٍ أرتقي أي عظيمٍ أتقي
وكل ما قد خلق الله وما لم يخلقِ
محقرٌ في همتي كشعرةٍ في مفرقي
هذه النرجسية هي التي كانت سبباً في مقتل المتنبي, فهو من الشعراء الذين قتلهم شعرهم .
مقتل أبو الطيب المتنبي
في سنة 430 للهجرة قصد المتنبي بغداد بعد ترك مِصر هارباً منها .
فعلم ” فاتك ابن أبي جهل الأسدي ” بخروج المتنبي ، وهذا الرجل فاتك هو خال رجل يدعى ضبىَ هذا الشخص هجاه المتنبي وهجا أمه في أشعاره.
فأراد هذا الرجل الانتقام لأخته وابن أخته بحيث أن المتنبي فضحهم أمام الناس بهجائه لهم.
فخرج إليه بثلاثين رجل وقيل ستون رجلاً ، وقطع الطريق على المتنبي ،فلما رأهم المتنبي ورأى كثرتهم أراد الفرار ،ولكن أحد غلمانه قال له:
لا يتحدث الناس عنك بالفرار وأنت القائل :
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
وعندها أستحى المتنبي ولم يهرب ورجع وقاتل ، ولكنه لم يستطع أن يقف أما هذا العدد .
و قتل أبو الطيب المتنبي هو وأبنه محسد وعدد من الذين كانوا معه سنة 453 هجري ، وهذه كانت نهاية أبو الطيب المتنبي .
المصادر
جميع حقوق الملكية الفكرية والنشر محفوظة لموقع غدق www.ghadk.com
“يمنع منعاً باتاً نقل أو نسخ هذا المحتوى تحت طائلة المسائلة القانونية والفكرية”
يمكنكم دعم الموقع عن طريق الاشتراك في صفحة الفيس بوك Facebook وحساب الانستغرام Instagram وحساب تويتر Twitter
للتواصل والاستفسار والدعم التواصل على البريد التالي : ghadak.site@gmail.com